للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كَانَ وَالِدُ مُعَاذٍ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ (١) - إِذْ ذَاكَ - شَيْخًا كَبِيرًا طَاعِنًا (٢) فِي السِّنِّ.

وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ يُدْعَى "مَنَاةَ" اتَّخَذَهُ مِنْ نَفِيسِ الْخَشَبِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنَ الرُّوَاءِ وَالْبَهَاءِ (٣).

وَنَافَسَ فِيهِ أَمْثَالَهُ مِنَ الْأَشْرَافِ.

وَنَذَرَ نَفْسَهُ لِسَدَانَتِهِ (٤)

فَكَانَ يَغْدُو عَلَيْهِ إِذَا أَصْبَحَ، وَيَرُوحُ إِلَيْهِ إِذَا أَمْسَى.

وَكَانَ لَا يَفْتَأُ يُضَمِّخُهُ (٥) بِأَطْيَبِ الطُّيُوبِ.

وَيُقَرِّبُ لَهُ أَعَزَّ الْقَرَابِينِ (٦).

فَوَجَدَ مُعَاذٌ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِسْلَامِ أَبِيهِ مَا لَمْ يَنْتَزِعْ هَذَا الصَّنَمَ مِنْ حَيَاتِهِ.

وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ الشَّيْخَ لَا يُطِيقُ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةً فِي صَنَمِهِ تَسُوءُهُ، وَأَنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْهُ؛ بَعْدَ هَذِهِ الصُّحْبَةِ الطَّوِيلَةِ؛ لِلَوْمِ اللَّائِمِينَ …

أَوْ حِجَاجِ الْمُحَاجِّينَ.

فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَسْلُكَ لِغَايَتِهِ طَرِيقًا آخَرَ غَيْرَ طَرِيقِ الْإِقْنَاعِ؛ مُسْتَعِينًا بِإِخْوَتِهِ وَأَتْرَابِهِ.

* * *


(١) عَمْرِو بْنِ الْجَمُوح: انظره في الكتاب الأول من "صور من حياة الصحابة" للمؤلف.
(٢) طَاعنًا فِي السّن: متقدمًا في السن.
(٣) الرّوَاء وَالبهَاء: الجمال والحسن.
(٤) سدَانة: خدمة.
(٥) يضمِّخه: يدهنه.
(٦) الْقرَابين: جمع قربان؛ وهي كل ما يُتقرب به إلى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>