للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَلَمَّا أَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ كِتَابَ الْفَارُوقِ قَالَ:

قَدْ عَلِمْتُ حَاجَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيَّ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ:

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ إِلَيَّ، وَإِنِّي فِي جُنْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَجِدُ بِنَفْسِي رَغْبَةٌ عَنِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ (١).

وَلَا أُرِيدُ فِرَاقَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيَّ وَفِيهِمْ أَمْرَهُ …

فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزْمِكَ، وَائْذَنْ لِي بِالْبَقَاءِ.

فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الْكِتَابَ بَكَى حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ -لِشِدَّةِ مَا رَأَوْهُ مِنْ بُكَائِهِ-:

أَمَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟.

فَقَالَ: لا، وَلَكِنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ قَرِيبٌ.

وَلَمْ يَكْذِبْ ظَنُّ الْفَارُوقِ، إِذْ مَا لَبِثَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ أُصِيبَ بِالطَّاعُونِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَى جُنْدَهُ فَقَالَ:

إِنِّي مُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ إِنْ قَبِلْتُمُوهَا لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ:

أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتَصَدَّقُوا، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَتَوَاصَوْا، وَانْصَحُوا لِأُمَرَائِكُمْ وَلَا تَغُشُوهُمْ …

وَلَا تُلْهِكُمُ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْمَرْءَ لَوْ عُمِّرَ أَلْفَ حَوْلٍ مَا كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَصِيرَ إِلَى مَصْرَعِي هَذَا الَّذِي تَرَوْنَ …


(١) لا أجد بنفسي رغبة عن الذي يصيبهم: أي لا أرغب في أن أحفظ نفسي مما يصيبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>