للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَقَدْ بَالَغَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي إِكْرَامِهِ بَعْدَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ؛ فَأَعْطَاهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنَ الْفِضَّةِ؛ وَزَنَهَا لَهُ بِلَالٌ الْحَبَشِيُّ (١) وَدَفَعَهَا إِلَيْهِ.

* * *

وَلَمَّا آلَتِ (٢) الْخِلَافَةُ إِلَى الصِّدِّيقِ ؛ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الْفَارِسُ الْأُمَوِيُّ مِنْ قُوَّةِ الشَّكِيمَةِ (٣)، وَصِدْقِ الْعَزِيمَةِ، وَرَجَاحَةِ الْعَقْلِ، وَعُمْقِ الْإِيمَانِ؛ فَقَرَّرَ أَنْ يَضَعَ هَذِهِ الطَّاقَاتِ الْفَذَّةَ فِي خِدْمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ …

لَكِنَّ الصِّدِّيقَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ كَانَ يَخْشَى عَلَى الْفَتَى الْقُرَشِيِّ مِنْ نَزَوَاتِ الرِّئَاسَةِ، وَيَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ غُرُورِ (٤) الْقِيَادَةِ؛ فَاسْتَدْعَاهُ وَقَالَ لَهُ:

يَا يَزِيدُ … إِنَّكَ شَابٌّ تُذْكَرُ بِخَيْرٍ ظَهَرَ فِي فِعَالِكَ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَبْلُوَكَ (٥)؛ فَأَنْظُرْ كَيْفَ أَنْتَ؟ وَكَيْفَ وَلَايَتُكَ؟ …

فَإِنْ أَحْسَنْتَ زِدْتُكَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عَزَلْتُكَ …

وَعَلَيْكَ يَا يَزِيدُ بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ يَرَى مِنْ بَاطِنِكَ مِثْلَ الَّذِي يَرَى مِنْ ظَاهِرِكَ …

وَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى جُنْدِكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمْ، وَابْدَأْهُمْ بِالْخَيْرِ، وَعِدْهُمْ إِيَّاهُ …

وَإِذَا وَعَظْتَهُمْ فَأَوْجِزْ؛ فَإِنَّ كَثِيرَ الْكَلَامِ يُنْسِي بَعْضُهُ بَعْضًا …


(١) بلال بن رباح: انظره في الكتاب الخامس من "صور من حياة الصحابة" للمؤلف.
(٢) آلت الخلافة إِلَى فلان: صارت إليه وتولاها.
(٣) قوة الشكيمة: شدة الصبر وقوة الجلد.
(٤) الغُرُور: ما يُغْتَرُّ بِه مِن مَتَاعِ الدُّنْيا.
(٥) أَرَدْتُ أَنْ أَبْلُوَك: أن أختبرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>