للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أَقْبَلَ الْفَرِيقَانِ عَلَى الْقِتَالِ إِقْبَالَ الْعِطَاشِ عَلَى الْمَاءِ، وَدَارَتْ بَيْنَهُمَا رَحَى مَعْرَكَةٍ ضَرُوسٍ تَطْحَنَ الرِّجَالَ وَالسِّلَاحَ طَحْنًا …

وَلَمَّا دَجَا (١) اللَّيْلُ، وَلَفَّ الْكَوْنَ بِشَمْلَتِهِ السَّوْدَاءِ؛ لَمْ يَضَعْ أَيٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ سِلَاحَهُ؛ كَمَا كَانَا يَفْعَلَانِ كُلَّ لَيْلَةٍ …

وَإِنَّمَا وَصَلَا قِتَالَ النَّهَارِ بِقِتَالِ اللَّيْلِ؛ حَتَّى لَكَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عَزَمَ عَلَى أَلَّا يُلْقِيَ السِّلَاحَ؛ إِلَّا إِذَا دَارَتِ الدَّائِرَةُ (٢) عَلَى عَدُوِّهِ.

وَبِسَبَبٍ مِنْ هَذَا الْعَزْمِ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ الْمُتَقَاتِلُونَ …

وَبِسَبَبِ الظَّلَامِ الَّذِي خَيَّمَ عَلَى الْكَوْنِ، وَبِسَبَبِ الْغُبَارِ الَّذِي غَطَّى سَاحَةَ الْمَعْرَكَةِ …

خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدَيْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَائِدِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ؛ كَمَا خَرَجَ مِنْ يَدَيْ "رُسْتُمَ" قَائِدِ جَيْشِ الْفُرْسِ، وَفَقَدَا سَيْطَرَتَهُمَا عَلَى جَيْشَيْهِمَا.

وَقَدْ عَرَفَ سَعْدٌ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو زَحَفَ عَلَى الْفُرْسِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ؛ فَتَخَوَّفَ عَلَى جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ تُصِيبَهُمْ كَارِثَةٌ …

لَكِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ سِوَى أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو وَانْصُرْهُ …

اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنِّي.

وَقَدْ زَادَهُ جَزَعًا عَلَى جَزَعِهِ؛ أَنَّهُ رَأَى قَبَائِلَ الْعَرَبِ تَزْحَفُ وَرَاءَ الْقَعْقَاعِ الْوَاحِدَةَ تِلْوَ الْأُخْرَى.

فَهَذِهِ أَسَدٌ تَنْدَفِعُ بِقَضِّهَا وَقَضِيضِهَا، وَتِلْكَ بَجِيلَةُ تَزْحَفُ بِخَيْلِها وَرَجْلِهَا، وَهَذِهِ كِنْدَةُ تُقْبِلُ، وَتِلْكَ النَّخْعُ تَحْمِلُ …


(١) دَجَا اللَّيْل: أظلم الليل.
(٢) الدَّائِرَة: النكبة والمصيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>