إِنَّ الْهِبَةَ الَّتِي وَهَبْتَنِيهَا - أَيُّهَا السَّيِّدُ - لَا تَكْفِي أَبْنَاءَ عَمِّي جَمِيعًا، فَهَلَّا أَذِنْتَ لِي بِأَنْ آتِيكَ بِعَشْرَةٍ مِنْهُمْ لِيَنَالُوا مِنْ كَرِيمٍ عَطَائِكَ مَا نِلْتُ؟.
فَسُرَّ الْبِطْرِيقُ بِذَلِكَ، وَمَنَّى نَفْسَهُ بِقَتْلِ عَشْرَةٍ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْ وَاحِدٍ …
فَأَشَارَ إِلَى حُرَّاسِ الْحِصْنِ بِأَنْ يُخَلُّوا سَبِيلَهُ.
وَكُتِبَتْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ النَّجَاةُ.
وَلَمَّا فُتِحَتْ "مِصْرُ"، وَتَمَّ اسْتِسْلَامُهَا لِلْمُسْلِمِينَ الْتَقَى بِطْرِيقُ الرُّومِ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ فَقَالَ لَهُ فِي دَهْشَةٍ:
أَهَذَا أَنْتَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ … عَلَى مَا كَانَ مِنْ غَدْرِكَ.
* * *
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ بَيَانًا، وَأَفْصَحِهِمْ لِسَانًا …
حَتَّى إِنَّ الْفَارُوقَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ يَرَى فِي فَصَاحَتِهِ آيَةً عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
فَكَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا يَتَلَجْلَجُ قَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ …
إِنَّ خَالِقَ هَذَا وَخَالِقَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَاحِدٌ.
وَمِنْ بَلِيغِ كَلَامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَوْلُهُ: الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ:
رَجُلٌ تَامٌّ، وَنِصْفُ رَجُلٍ، وَلَا شَيْء.
أَمَّا الرَّجُلُ التَّامُّ، فَهُوَ الَّذِي كَمُلَ دِينُهُ وَعَقْلُهُ.
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ أَمْرًا اسْتَشَارَ أَهْلَ الرَّأْيِ؛ فَلَا يَزَالُ مُوَفَّقًا.