للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قُرَيْشٌ عَلَى اسْتِعَادَتِهِمْ إِلَى مَكَّةَ، وَإِذَاقَتِهِمْ أَلْوَانًا مِنَ الْعَذَابِ.

وَقَدِ اخْتَارَتْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لِلْقِيَامِ بِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ؛ لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ "النَّجَاشِيِّ" (١) مِنْ أَوَاصِرِ وُدٍّ قَدِيمٍ.

وَزَوَّدَتْهُ بِمَا كَانَ يُؤْثِرُهُ "النَّجَاشِيُّ" وَبَطَارِقتُهُ مِنَ الْهَدَايَا.

فَلَمَّا وَفَدَ عَلَى "النَّجَاشِي" حَيَّاهُ وَبَيَّاهُ (٢) وَقَالَ لَهُ:

إِنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِنَا قَدْ كَفَرُوا بِدِينِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ، وَاسْتَحْدَثُوا لِأَنْفُسِهِمْ دِينًا جَدِيدًا … وَقَدْ أَرْسَلَتْنِي قُرَيْشٌ لاسْتِئْذَانِكَ بِاسْتِعَادَتِهِمْ إِلَى قَوْمِهِمْ؛ لِيَرُدُّوهُمْ إِلَى دِينِهِمْ، وَيُعِيدُوهُمْ إِلَى مِلَّتِهِمْ.

فَاسْتَدْعَى "النَّجَاشِيُّ" نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ، سَأَلَهُمْ عَنْ دِينِهِمُ الَّذِي يَدِينُونَ، وَإِلَهِهِمُ الَّذِي بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَنَبِيِّهِمُ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهَذَا الدِّينِ.

فَسَمِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا مَلأَ قَلْبَهُ يَقِينًا وَاطْمِئْنَانًا، وَوَعَى مِنْ عَقِيدَتِهِمْ مَا أَفْعَمَ فُؤَادَهُ تَعَلُّقًا بِهِمْ وَإِيمَانًا بِدِينِهِمْ.

فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَهُمْ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَشَدَّ الْإِبَاءِ، وَأَعَادَ لَهُ مَا أَتْحَفَهُ بِهِ مِنَ الْهَدَايَا.

* * *

وَلَمَّا عَزَمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى مَكَّةَ قَالَ لَهُ "النَّجَاشِيُّ": كَيْفَ يَعْزُبُ (٣) عَنْكَ أَمْرُ "مُحَمَّدٍ" يَا عَمْرُو عَلَى مَا أَعْرِفُهُ مِنْ رَجَاحَةِ عَقْلِكَ وَبُعْدِ نَظَرِكَ؟! …


(١) النَّجَاشِي: انظره في كتاب "صور من حياة التَّابعين" للمؤلف، الناشر دار الأدب الإسلامي.
(٢) حَيَّاه وبَيَّاه: قال له حياك الله، وبياك أي رفع مقامك.
(٣) يَعْزُبُ: يبعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>