للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(اذْهَبْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ: لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ).

فَكَانَتْ هَذِهِ بِشَارَةً عُظْمَى لِثَابِتٍ ظَلَّ يَرْجُوَ خَيْرَهَا طَوَالَ حَيَاتِهِ.

* * *

وَقَدْ شَهِدَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا سِوَى "بَدْرٍ"، وَأَقْحَمَ نَفْسَهُ فِي غِمَارِ الْمَعَارِكِ طَلَبًا لِلشَّهَادَةِ الَّتِي بَشَّرَهُ بِهَا النَّبِيُّ ، فَكَانَ يُخْطِئُهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَهِيَ قَابَ قَوْسَيْنِ (١) مِنْهُ أَوْ أَدْنَى …

إِلَى أَنْ وَقَعَتْ حُرُوبُ الرِّدَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ عَلَى عَهْدِ الصِّدِّيقِ .

وَلَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ إِذْ ذَاكَ أَمِيرًا لِجُنْدِ الْأَنْصَارِ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ (٢) أَمِيرًا لِجُنْدِ الْمُهَاجِرِينَ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَائِدًا لِلْجَيْشِ كُلِّهِ:

أَنْصَارِهِ وَمُهَاجِرِيهِ؛ وَمَنْ فِيهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْبَوَادِي ..

وَلَقَدْ كَانَتِ الرِّيحُ وَالدَّوْلَةُ (٣) فِي جُلِّ الْمَعَارِكِ لِمُسَيْلِمَةَ وَرِجَالِهِ عَلَى جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى بَلَغَ بِهِمُ الْأَمْرُ أَنِ اقْتَحَمُوا فُسْطَاطَ (٤) خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَهَمُّوا بِقَتْلِ زَوْجَتِهِ أُمِّ تَمِيمٍ … وَقَطَعُوا حِبَالَ الْفُسْطَاطِ وَمَزَّقُوهُ شَرَّ مُمَزَّقٍ.

فَرَأَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمَذَاكَ مِنْ تَضَعْضُعَ الْمُسْلِمِينَ مَا شَحَنَ (٥) قَلْبَهُ أَسَىً وَكَمَدًا، وَسَمِعَ مِنْ تَنَابُزِهِمْ (٦) مَا مَلأَ صَدَّرَهُ هَمًّا وَغَمًّا ..

فَأَبْنَاءُ الْمُدُنِ يَرْمُونَ أَهْلَ البَوَادِي بِالْجُبْنِ، وَأَهْلُ البَوَادِي يَصِفُونَ أَبْنَاءَ الْمُدُنِ بِأَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ وَلَا يَدْرُونَ مَا الْحَرْبُ ..


(١) قاب قوسين: مقدارَ قوسين، وهي عبارة تستعمل للدلالة عَلَى شِدَّة الْقُرْبِ.
(٢) سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة: انظره ص ٥٢٧.
(٣) الريح: القوَّة … والدولة: النَّصْرُ والغَلب.
(٤) فسطاط خالد: خيمة خالد.
(٥) شحن: ملأ.
(٦) التَنابُزُ: التَّعايُرُ، وتنابَزَ القومُ: عَيَّر بعضُهم بعضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>