للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إِذْ لَمْ تَكُنْ بِهِ رَغْبَةٌ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَرَبٌ (١) فِي النَّيْلِ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّ مَنْزِلَتَهُ فِي قَوْمِهِ حَمَلَتْهُ عَلَى مُسَايَرَتِهِمْ حَمْلًا … وَقَدِ انْجَلَتْ "بَدْرٌ" عَنْ هَزِيمَةٍ مُنْكَرَةٍ لِقُرَيْشٍ أَذَلَّتْ مَعَاطِسَ (٢) الشِّرْكِ، وَقَصَمَتْ ظُهُورَ طَوَاغِيتِهِ (٣)؛ فَفَرِيقٌ قُتِلَ، وَفَرِيقٌ أُسِرَ، وَفَرِيقٌ نَجَّاهُ الْفِرَارُ.

وَكَانَ فِي زُمْرَةِ الْأَسْرَى أَبُو الْعَاصِ زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

* * *

فَرَضَ النَّبِيُّ عَلَى الْأَسْرَى فِدْيَةً يَفْتَدُونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَسْرِ، وَجَعَلَهَا تَتَرَاوَحُ بَيْنَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعَةِ آلَافٍ حَسْبَ مَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ فِي قَوْمِهِ وَغِنَاهُ.

وَطَفِقَتِ (٤) الرُّسُلُ تَرُوحُ وَتَغْدُو بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ حَامِلَةً مِنَ الْأَمْوَالِ مَا تَفْتَدِي بِهِ أَسْرَاهَا.

فَبَعَثَتْ زَيْنَبُ رَسُولَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ يَحْمِلُ فِدْيَةَ زَوْجِهَا أَبِي الْعَاصِ، وَجَعَلَتْ فِيهَا قِلَادَةً كَانَتْ أَهْدَتْهَا لَهَا أُمُّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ يَوْمَ زَفَّتْهَا إِلَيْهِ … فَلَمَّا رَأَى الرَّسُولُ الْقِلَادَةَ غَشِيَتْ وَجْهَهُ الْكَرِيمَ غِلَالَةٌ (٥) شَفَّافَةٌ مِنَ الْحُزْنِ الْعَمِيقِ، وَرَقَّ لابْنَتِهِ أَشَدَّ الرِّقَةِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ:

(إِنَّ زَيْنَبَ بَعَثَتْ بِهَذَا الْمَالِ لافْتِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا مَالَهَا فَافْعَلُوا).


(١) أرب: غاية وغرض.
(٢) المعاطس: الأنوف.
(٣) طواغيت: جمع طاغوت، وهو رأس الضّلال أو المعبود من دون الله.
(٤) طفقت: أخذت.
(٥) الْغِلالة: ثوب رقيق شفاف يُلْبَسُ عَلَى الْجَسَدِ مباشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>