للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عَادَ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ يُجَرْجِرُ سَيْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَسْوَانَ (١) حَزِينًا؛ لِأَنَّهُ حُرِمَ مِنْ شَرَفِ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ فِي أَوَّلِ غَزْوَةٍ يَغْزُوهَا.

وَعَادَتْ مِنْ وَرَائِهِ أُمُّهُ "النَّوَارُ بِنْتُ مَالِكٍ" وَهِيَ لَا تَقِلُّ عَنْهُ أَسًى وَحُزْنًا.

فَقَدْ كَانَتْ تَتَمَنَّى أَنْ تَكْتَحِلَ عَيْنَاهَا بِرُؤْيَةِ غُلَامِهَا، وَهُوَ يَمْضِي مَعَ الرِّجَالِ مُجَاهِدًا تَحْتَ رَايَةِ رَسُولِ اللهِ

وَكَانَتْ تَأْمُلُ فِي أَنْ يَحْتَلَّ الْمَكَانَةَ الَّتِي كَانَ مِنَ الْمُنْتَظَرِ أَنْ يَحْظَى بِهَا أَبُوهُ لَدَى الرَّسُول لَوْ أَنَّهُ ظَلَّ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ.

* * *

لَكِنَّ الْغُلَامَ الْأَنْصَارِيُّ حِينَ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ أَخْفَقَ (٢) فِي أَنْ يَحْظَى بِالتَّقَرُبِ إِلَى رَسُولِ اللهِ فِي هَذَا الْمَجَالِ لِصِغَرِ سِنِّهِ، تَفَتَّقَتْ فِطْنَتُهُ عَنْ مَجَالٍ آخَرَ - لا عَلَاقَةَ لَهُ بِالسِّنِّ - يُقَرِّبُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَيُدْنِيهِ إِلَيْهِ.

ذَلِكَ الْمَجَالُ: هُوَ مَجَالُ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ …

فَذَكَرَ الْغُلَامُ الْفِكْرَةَ لِأُمِّهِ؛ فَهَشَّتْ لَهَا وَبَشَّتْ (٣) وَنَشِطَتْ لِتَحْقِيقِهَا.

* * *

حَدَّثَتِ "النَّوَارُ" رِجَالًا مِنْ قَوْمِهِمْ بِرَغْبَةِ الْغُلَامِ؛ وَذَكَرَتْ لَهُمْ فِكْرَتَهُ …

فَمَضَوْا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَالُوا:

يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذَا ابْنُنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَحْفَظُ سَبْعَ عَشْرَةَ سُورَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَيَتْلُوهَا صَحِيحَةً كَمَا أُنْزِلَتْ عَلَى قَلْبِكَ.

وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ حَاذِقٌ يُجِيدُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ. وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِذَلِكَ إِلَيْكَ وَأَنْ يَلْزَمَكَ … فَاسْمَعْ مِنْهُ إِذَا شِئْتَ.

* * *


(١) أسوان حزينًا: شديد الأسى والحزن.
(٢) أخفق: لم ينجح.
(٣) هشَّت وبَشَّت: سُرَّت وفَرِحَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>