للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لَكِنَّهُ كَانَ عَالِيَ الْهَامَةِ (١)، مَشدُودَ الْقَامَةِ، تَتَأَجَّجُ بَيْنَ جَوانِحِهِ (٢) عِزَّةُ الْإِسْلَامِ، وَتَتَوَقَّدُ فِي فُؤَادِهِ كِبْرِيَاءُ الْإِيمَانِ.

فَمَا إِنْ رَآهُ "كِسْرَى" مُقْبِلًا حَتَّى أَوْمَأَ إِلَى أَحَدٍ رِجَالِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أَدْفَعَهُ لَكَ يَدًا بِيَدٍ وَأَنَا لا أُخَالِفُ أَمْرًا لِرَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ "كِسْرَى" لِرِجَالِهِ: اتْرُكُوهُ يَدْنُو مِنِّي، فَدَنَا مِنْ "كِسْرَى" حَتَّى نَاوَلَهُ الْكِتَابَ بِيَدِهِ.

ثُمَّ دَعَا "كِسْرَى" كَاتِبًا عَرَبِيًّا مِنْ أَهْلِ "الْحِيرَةِ" (٣)، وَأَمَرَهُ أَنْ يَفُضَّ (٤) الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمٍ فَارِسَ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)

فَمَا إِنْ سَمِعَ "كِسْرَى" مِنَ الرِّسَالَةِ هَذَا الْمِقْدَارَ حَتَّى اشْتَعَلَتْ نَارُ الْغَضَبِ فِي صَدْرِهِ؛ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ (٥) لِأَنَّ الرَّسُولَ بَدَأَ بِنَفْسِهِ … فَجَذَبَ الرِّسَالَةَ مِنْ يَدِ كَاتِبِهِ وَجَعَلَ يُمَزِّقُهَا دُونَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهَا وَهُوَ يَصِيحُ: أَيَكْتُبُ لِي بِهَذَا، وَهُوَ عَبْدِي؟!! …

ثُمَّ أَمَرَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأُخْرِجَ.

* * *

خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مِنْ مَجْلِسِ "كِسْرَى"، وَهُوَ لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ اللهُ لَهُ … أَيُقْتَلُ أم يُتْرَكُ حُرًّا طَلِيقًا؟.

لَكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَكُونُ بَعْدَ أَنْ أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ … وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَانْطَلَقَ.


(١) الهامة: الهامة: الرّأس.
(٢) الجوانح: الأضلاع.
(٣) الجيزة: منطقة في العراق بين النَّجَفِ والْكُوفَة.
(٤) فيض الكتاب: فتحه.
(٥) الأوداج: جمع ودج، وهو عرق في العنق ينتفخ عند الغضب.

<<  <  ج: ص:  >  >>