للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَمَا هُوَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى قَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِيهِمْ خَطِيبًا وَقَالَ:

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ قَوْلًا أَخْشَى أَنْ يَبْلُغَ مُحَمَّدًا؛ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَنْ جَلِيسُهُ، فَمَا كَانَ مِنِّي إِلَّا أَنْ أَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ إِلَى جَنْبِي وَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ.

وَهُنَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارٍ قَرَارٍ، لَقَدْ هَلَكَتْ رَوَاحِلُنَا (١)، وَتَخَلَّتْ عَنَّا بَنُو "قُرَيْظَةَ" (٢)، وَلَقِينَا مِنْ شِدَّةِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ. ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ فَفَكَّ عِقَالَهُ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ قَائِمًا … وَلَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَمَرَنِي أَلَّا أُحْدِثَ شَيْئًا حَتَّى آتِيَهُ لَقَتَلْتُهُ بِسَهْمٍ.

عِنْدَ ذَلِكَ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ، فَلَمَّا رَآنِي أَدْنَانِي إِلَى رِجْلَيْهِ وَطَرَحَ عَلَيَّ طَرَفَ الْمِرْطِ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَسُرَّ بِهِ سُرُورًا شَدِيدًا وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ.

* * *

ظَلَّ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مُؤْتَمَنًا عَلَى أَسْرَارِ الْمُنَافِقِينَ مَا امْتَدَّتْ بِهِ الْحَيَاةُ، وَظَلَّ الْخُلَفَاءُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِهِمْ، حَتَّى إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ يَسْأَلُ: أَحَضَرَ حُذَيْفَةُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ؟ … فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا، شَكَّ فِيهِ، وَأَمْسَكَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ سَأَلَهُ ذَاتَ مَرَّةٍ: أَفِي عُمَّالي أَحَدٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: وَاحِدٌ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ …

قَالَ حُذَيْفَةُ: لَكِنَّ عُمَرَ مَا لَبِثَ أَنْ عَزَلَهُ كَأَنَّمَا هُدِيَ إِلَيْهِ.

وَلَعَلَّ قَلِيلًا مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَتَحَ لِلْمُسْلِمِينَ


(١) رواحِلنا: دوابُّنا.
(٢) بنو قريظة: قبيلة من قبائل يهود المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>