للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِهِمْ، وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَبَلَغَ مِنْهُمُ الْجَهْدُ وَالضَّنْكُ (١) كُلَّ مَبْلَغٍ، حَتَّى زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ (٢)، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ.

وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْشٌ وَأَحْلَافُهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ الْحَاسِمَاتِ بِأَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

فَقَدْ صَبَّ عَلَيْهَا اللَّهُ ﷿ مِنْ غَضَبِهِ مَا أَوْهَنَ قُوَاهَا وَزَلْزَلَ عَزَائِمَهَا، فَأَرْسَلَ عَلَيْهَا رِيحًا صَرْصَرًا (٣) تَقْلِبُ خِيَامَهَا، وَتَكْفَأُ (٤) قُدُورَهَا، وَتُطْفِئُ نِيرَانَهَا وَتَقْذِفُ وُجُوهَهَا بِالْحَصْبَاءِ، وَتَسُدُّ عُيُونَهَا وَخَيَاشِيمَهَا بِالتُّرَابِ.

* * *

فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ الْحَاسِمَةِ مِنْ تَارِيخ الْحُرُوبِ؛ يَكُونُ الْفَرِيقُ الْخَاسِرُ هُوَ الَّذِي يَئِنُّ أَوَّلًا، وَيَكُونُ الْفَرِيقُ الرَّابِحُ هُوَ الَّذِي يَضْبِطُ نَفْسَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ بَعْدَ صَاحِبِه.

وَفِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا مَصَائِرُ الْمَعَارِكِ؛ يَكُونُ لاسْتِخْبَارَاتِ الْجُيُوشِ الْفَضْلُ الأَوَّلُ فِي تَقْدِيرِ الْمَوْقِفِ وَإِسْدَاءِ الْمَشُورَةِ.

وَمِنْ هُنَا احْتَاجَ الرَّسُولُ لِطَاقَاتِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَخِبْرَاتِهِ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَى قَلْبِ جَيْشِ الْعَدُوِّ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلَامِ؛ لِيَأْتِيَهُ بِأَخْبَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُبْرِمَ (٥) أَمْرًا.

فَلْتَترُك لِحُذَيْفَةَ الْكَلَامَ لِيُحَدِّثَنَا عَنْ رِحْلَةِ الْمَوْتِ هَذِهِ. قَالَ حُذَيْفَةُ:

كُنَّا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ صَافِّينَ قُعُودًا، وَأَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ فَوْقَنَا، وَبَنُو "قُرَيْظَةَ" مِنَ الْيَهُودِ أَسْفَلَ مِنَّا نَخَافُهُمْ عَلَى نِسَائِنَا وَذَرَارِينَا،


(١) الضّنك: الضّيقُ والشِّدَّة.
(٢) بلغت القلوب الحناجر: كناية عن شدَّة الضّيق.
(٣) الريح الصَّرْصَرُ: الرِّيح الشَّديدة التي تُصرُّ صَرًّا.
(٤) تكفأ: تقلب.
(٥) قبل أن يُبرم أمرًا: قبل أن يَتِخذَ قرارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>