للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَقَالَ : (نَفِي بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ عَلَيْهِمْ بِاللَّهِ).

* * *

وَلَمَّا كَانَتْ "أُحُدٌ" خَاضَهَا حُذَيْفَةُ مَعَ أَبِيهِ الْيَمَانِ؛ أَمَّا حُذَيْفَةُ فَأَبْلَى فِيهَا أَعْظَمَ الْبَلَاءِ وَأَكْرَمَهُ، وَخَرَجَ مِنْهَا سَالِمًا، وَأَمَّا أَبُوهُ فَقَدِ اسْتُشْهِدَ فِيهَا، وَلَكِنَّ اسْتِشْهَادَهُ كَانَ بِسُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ لَا بِسُيُوفِ الْمُشْرِكِينَ؛ وَلِذَلِكَ قِصَّةٌ نُورِدُهَا فيما يلي:

لَمَّا كَانَ يَوْمُ "أُحُدٍ" وَضَعَ رَسُولُ اللهِ الْيَمَانَ، وَثَابِتَ بْنَ وَقْشٍ فِي الْحُصُونِ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ طَاعِنَيْنِ فِي السِّنِّ (١)، فَلَمَّا حَمِيَ وَطِيسُ الْمَعْرَكَةِ (٢)، قَالَ الْيَمَانُ لِصَاحِبِهِ:

لَا أَبَا لَكَ، مَا نَنْتَظِرُ؟! فَوَاللَّهِ مَا بَقِيَ لِوَاحِدٍ مِنَّا مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَظْمَأُ الْحِمَارُ (٣)، إِنَّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْم (٤) أَوْ غَدٍ، أَفَلَا نَأْخُذُ سَيْفَيْنَا وَنَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنَا الشَّهَادَةَ مَعَ نَبِيِّهِ … ثُمَّ أَخَذَا سَيْفَيْهِمَا وَدَخَلَا فِي النَّاسِ وَاقْتَحَمَا الْمَعْرَكَةَ …

أَمَّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْيَمَانُ وَالِدُ حُذَيْفَةَ فَتَعَاوَرَتْهُ (٥) سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ، وَجَعَلَ حُذَيْفَةُ يُنَادِي: أَبِي … أَبِي … فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ، وَخَرَّ الشَّيْخُ صَرِيعًا بِأَسْيَافِ أَصْحَابِهِ، فَمَا زَادَ حُذَيْفَةُ عَلَى أَنْ قَالَ لَهُمْ:

يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

ثُمَّ أَرَادَ الرَّسُولُ أَنْ يُعْطِيَ الابْنَ دِيَةَ (٦) أَبِيهِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّمَا هُوَ طَالِبُ شَهَادَةٍ وَقَدْ نَالَهَا، اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي تَصَدَّقْتُ بِدِيَتِهِ عَلَى


(١) طاعنين في السِّنِّ: متقدمين في السن.
(٢) حمي وطيسُ المعركة: اشتدَّت.
(٣) إلا بمقدار ما يظمأ الحمار: كناية عن قصر الْمُدَّة لأن الحمار قليل الصَّبر عَلَى العطش.
(٤) هامَة الْيوم: كناية عن أنهم يموتون قريبًا.
(٥) تعاورته: تداولته وتتابعت عَلَيْهِ.
(٦) الدِّيةُ: ما يؤدَّى لأهل القتيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>