للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حَسَنًا، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي:

ثَكِلَتْكَ (١) أُمُّكَ يَا طُفَيْلُ … إِنَّكَ لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ، وَمَا يَخْفَى عَلَيْكَ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبيح، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسْمَعَ مِنَ الرَّجُلِ مَا يَقُولُ …

فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتَهُ.

* * *

قَالَ الطُّفَيْلُ: ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَيْتِهِ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ دَارَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ:

يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي عَنْكَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوِّفُونَنِي مِنْ أَمْرِكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِقُطْنٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي شَيْئًا مِنْهُ، فَوَجَدْتُهُ حَسَنًا … فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ …

فَعَرَضَ عَلَيَّ أَمْرَهُ، وَقَرَأَ لِي سُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَالْفَلَقِ، فَوَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا رَأَيْتُ أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْ أَمْرِهِ … عِنْدَ ذَلِكَ بَسَطْتُ يَدِي لَهُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَدَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ.

* * *

قَالَ الطُّفَيْلُ: ثُمَّ أَقَمْتُ فِي مَكَّةَ زَمَنًا تَعَلَّمْتُ فِيهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ وَحَفِظْتُ فِيهِ مَا تَيَسَّرَ لِي مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَمَّا عَزَمْتُ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى قَوْمِي قُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي عَشِيرَتِي، وَأَنَا رَاجِعْ إِلَيْهِمْ وَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَام، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا فِيمَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً). فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي مَوْضِعٍ مُشْرِفٍ عَلَى مَنَازِلِهِمْ؛ وَقَعَ نُورٌ فِيمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْتُ:


(١) ثكلتك أُمُّك: فقدتك أُمُّك بالموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>