للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَكَأَنَّمَا أَرَادَ عُمَيْرٌ أَنْ يَسْتَثِيرَ هِمَّةَ الْجُلَاسِ وَيَبْعَثَ الْحَمِيَّةَ (١) فِي نَفْسِهِ؛ فَأَخَذَ يَقُصُّ عَلَيْهِ أَخْبَارَ مَا سَمِعَ وَرَأَى، وَخَاصَّةً خَبَرَ أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ ، وَسَأَلُوهُ فِي لَوْعَةٍ أَنْ يَضُمَّهُمْ إِلَى الْجَيْشِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَرَدَّهُمُ النَّبِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مِنَ الرَّكَائِبِ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، فَتَوَلَّوْا (٢) وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُبَلِّغُهُمْ أُمْنِيَّتَهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَيُحَقِّقُ لَهُمْ أَشْوَاقَهُمْ إِلَى الاسْتِشْهَادِ.

لَكِنَّ الْجُلَاسَ مَا كَادَ يَسْمَعُ مِنْ عُمَيْرٍ مَا سَمِعَ حَتَّى انْطَلَقَتْ مِنْ فَمِهِ كَلِمَةٌ أَطَارَتْ صَوَابَ (٣) الْفَتَى الْمُؤْمِنِ …

إِذْ سَمِعَهُ يَقُولُ:

"إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ فَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ".

* * *

لَقَدْ شُدِهَ (٤) عُمَيْرٌ مِمَّا سَمِعَ؛ فَمَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عَقْلُ الْجُلَاسِ وَسِنُّهُ، تَنِدُّ (٥) مِنْ فَمِهِ مِثْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي تُخْرِجُ صَاحِبَهَا مِنَ الْإِيمَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَتُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ مِنْ أَوْسَعِ أَبْوَابِهِ.

وَكَمَا تَنْطَلِقُ الْآلَاتُ الْحَاسِبَةُ الدَّقِيقَةُ فِي حِسَابِ مَا يُلْقَى إِلَيْهَا مِنَ الْمَسَائِلِ، انْطَلَقَ عَقْلُ الْفَتَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ يُفَكِّرُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصْنَعَهُ:

لَقَدْ رَأَى أَنَّ فِي السُّكُوتِ عَنِ الْجُلَاسِ وَالتَّسَتُّرِ عَلَيْهِ خِيَانَةً للهِ وَرَسُولِهِ، وَإِضْرَارًا بِالْإِسْلَامِ الَّذِي يَكِيدُ لَهُ الْمُنَافِقُونَ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ (٦).


(١) الحمية: النَّخوة والمروءة …
(٢) فتولوا: فرجعوا.
(٣) أطارت صواب الْفَتَى: أذهلته وأطارت عقله.
(٤) شُده: دُهِش وتَحيَّر.
(٥) تَندُّ: تشرُدُ.
(٦) يأتمرون به: يحدِّث بعضهم بعضًا بإيذائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>