للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إِلَّا قَلِيلًا، فَوَجَدَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ الْغَضِّ مَكَانًا خَالِيًا فَتَمَكَّنَ مِنْهُ، وَأَلْفَى (١) الْإِسْلَامُ في نَفْسِهِ الصَّافِيَةِ الشَّفَّافَةِ تُرْبَةً خَصْبَةً فَتَغَلْغَلَ فِي ثَنَايَاهَا؛ فَكَانَ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةٍ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ، وَكَانَتْ أُمُّهُ تَغْمُرُهَا الْفَرْحَةُ كُلَّمَا رَأَتْهُ ذَاهِبًا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ آيَبًا مِنْهُ، تَارَةً مَعَ زَوْجِهَا وَتَارَةً وَحَدَهُ.

* * *

وَسَارَتْ حَيَاةُ الْغُلَامِ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى هَذَا النَّحْوِ: هَانِئَةً وَادِعَةً لَا يُعَكِّرُ صَفْوَهَا مُعَكِّرٌ، وَلَا يُكَدِّرُ هَنَاءَتَهَا مُكَدِّرٌ، حَتَّى شَاءَ اللهُ أَنْ يُعَرِّضَ الْغُلَامَ الْيَافِعَ (٢) لِتَجْرِبَةٍ مِنْ أَشَدِّ التَّجَارِبِ عُنْفًا وَأَقْسَاهَا قَسْوَةً، وَأَنْ يَمْتَحِنَهُ امْتِحَانًا قَلَّمَا مَرَّ بِمِثْلِهِ فَتًى فِي سِنِّهِ.

فَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلْهِجْرَةِ أَعْلَنَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَزْمَهُ عَلَى غَزْوِ الرُّومِ فِي "تَبُوكَ" (٣) وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَسْتَعِدُّوا وَيَتَجَهَّزُوا لِذَلِكَ.

وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ غَزْوَةً لَمْ يُصَرِّحَ بِهَا، وَأَوْهَمَ أَنَّهُ يُرِيدُ جِهَةً غَيْرَ الْجِهَةِ الَّتِي يَقْصِدُ إِلَيْهَا، إِلَّا فِي غَزْوَةِ "تَبُوكَ"، فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ، لِبُعْدِ الشُّقَّة (٤)، وَعِظَمِ الْمَشَقَّةِ، وَقُوَّةِ الْعَدُوِّ؛ لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَيَأْخُذُوا لِلْأَمْرِ أُهْبَتَهُ (٥) وَيُعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ.

وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الصَّيْفَ كَانَ قَدْ دَخَلَ، وَالْحَرَّ قَدِ اشْتَدَّ، وَالثِّمَارَ قَدْ أَيْنَعَتْ، وَالظِّلالَ قَدْ طَابَتْ، وَالنُّفُوسَ قَدْ رَكَنَتْ إِلَى التَّرَاخِي وَالتَّكَاسُلِ؛ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدْ لَبَّى الْمُسْلِمُونَ دَعْوَةَ نَبِيِّهِمْ وَأَخَذُوا يَتَجَهَّزُونَ ويَسْتَعِدُّونَ.


(١) ألفى: وجد.
(٢) اليافع: الغلام الذي قارب البلوغ.
(٣) تبوك: موضعٌ عَلَى حدود الشَّام وقعت فيه المعركة المعروفة بين الْمُسْلِمِين والرُّوم.
(٤) لبعد الشُّقَّة: لبعد المسافة.
(٥) يأخذوا للأمر أهبته: يستعدوا للأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>