وَهَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّبَّانِ جَلَسُوا عَلَى الطَّرِيقِ يَتَحَدَّثُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمَارِّينَ، فَيُقْبِلُ عَلَيْهِمْ وَيَقُولُ: يَا بَنِيَّ، صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ الْمُسْلِم بَيْتُهُ، يَكُفُّ فِيهِ نَفْسَهُ وَبَصَرَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ يُلْهِي وَيُلْغِي.
* * *
وَفِي أَثْنَاءِ إِقَامَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ "بِدِمَشْقَ" بَعَثَ إِلَيْهِ وَالِيهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ ابْنَتَهُ "الدَّرْدَاءَ" لابْنِهِ يَزِيدَ، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ، وَأَعْطَاهَا لِشَابٍّ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ.
فَسَارَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: خَطَبَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بِنْتَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَدَّهُ أَبُوهَا، وَزَوَّجَهَا لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
فَسَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ سَبَبٍ ذَلِكَ؟!
فَقَالَ: إِنَّمَا تَحَرَّيْتُ فِيمَا صَنَعْتُهُ صَلَاحَ أَمْرِ الدَّرْدَاءِ.
فَقَالَ: وَكَيْفَ؟
فَقَالَ: مَا ظَنُّكُمْ بِالدَّرْدَاءِ إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهَا الْعَبِيدُ يَخْدِمُونَهَا، وَوَجَدَتْ نَفْسَهَا فِي قُصُورٍ يَخْطَفُ لأَلَاؤُهَا الْبَصَرَ … أَيْنَ يُصْبِحُ دِينُهَا يَوْمَئِذٍ؟!.
وَفِي خِلَالِ وُجُودِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي بِلَادِ الشَّامِ قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُتَفَقِّدًا أَحْوَالَهَا، فَزَارَ صَاحِبَهُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ لَيْلًا، فَدَفَعَ الْبَابَ، فَإِذَا هُوَ بِغَيْرِ غَلَقٍ، فَدَخَلَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ لَا ضَوْءَ فِيهِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ حِسَّهُ قَامَ إِلَيْهِ، وَرَحَّبَ بِهِ وَأَجْلَسَهُ.
وَأَخَذَ الرَّجُلَانِ يَتَفَاوَضَانِ (١) الْأَحَادِيثَ، وَالظَّلَامُ يَحْجُبُ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ عَيْنَيْ صَاحِبِهِ.
(١) يتفاوضان الأحاديث: يتبادلان الأحاديث ويتجاذبانها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute