للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وَقَدْ غَدَا أَنَسٌ عَلَى طُولِ هَذَا الْعُمُرِ الْمَدِيدِ مَرْجِعًا لِلْمُسْلِمِينَ، يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ كُلَّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ، وَيُعَوِّلُونَ (١) عَلَيْهِ كُلَّمَا اسْتَغْلَقَ (٢) عَلَى أَفْهَامِهِمْ حُكْمٌ.

مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ بَعْضَ الْمُمَارِينَ فِي الدِّينِ جَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي ثُبُوتِ حَوْضِ النَّبي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَأَلُوهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:

ما كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أَعِيشَ حَتَّى أَرَى أَمْثَالَكُمْ يَتَمَارَوْنَ (٣) فِي الْحَوْضِ، لَقَدْ تَرَكْتُ عَجَائِزَ خَلْفِي مَا تُصَلِّي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا سَأَلَتِ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَهَا مِنْ حَوْضِ النَّبِيِّ .

* * *

وَلَقَدْ ظَلَّ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَعِيشُ مَعَ ذِكْرَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مَا امْتَدَّتْ بِهِ الْحَيَاةُ …

فَكَانَ شَدِيدَ الْبَهْجَةِ بِيَوْمِ لِقَائِهِ، سَخِيَّ الدَّمْعَةِ عَلَى يَوْمِ فِرَاقِهِ، كَثِيرَ التَّرْدِيدِ لِكَلَامِهِ …

حَرِيصًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، يُحِبُّ مَا أَحَبَّ، وَيَكْرَهُ مَا كَرِهَ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ أَيَّامِهِ يَوْمَانِ:

يَوْمُ لِقَائِهِ مَعَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيَوْمُ مُفَارَقَتِهِ لَهُ آخِرَ مَرَّةٍ.

فَإِذَا ذَكَرَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ سَعِدَ بِهِ وَانْتَشَى (٤)، وَإِذَا خَطَرَ لَهُ الْيَوْمُ الثَّانِي انْتَحَبَ وَبَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ.

وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا، وَرَأَيْتُهُ يَوْمَ قُبِضَ مِنَّا، فَلَمْ أَرَ يَوْمَيْنِ يُشْبِهَانِهِمَا.


(١) يُعوِّلون: يعتمدون.
(٢) اسْتَغْلَق: أشكل عليهم وغمض.
(٣) يتمارون: يتنازعون.
(٤) انْتَشَى: كأنه شم رائحةً طيبةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>