حدث مرةً أن أميراً شهيراً من أمراء بلاد بعث بنفر من أخص اتباعه إلى إيالة يتولى أمرها رجل وافر الثروة عظيم الجاه نافذ الكلمة حتى صبح نداً للأمير المشار إليه يخشى بأسه ويحذر جانبه فلم ير الأمير من وسيلة للتفرد بالحكم والسلطان سوى التخلص من ذلك الند بطريقة من الطرق وبعد التروي في الأمر عول على اغتياله فأسر ذلك إلى الأتباع المنوه عنهم وبقي سراً مدفوناً في قلوبهم لا يعلم به أحد من البشر. وبينما الأتباع سائرون لقضاء مهمتهم في وسط واد وإذا برجل واقف على صخر شاهق يناديهم قائلاً أيها القوم ألا يكفي اثنان منكم لقتل فلان وذكر اسم الرجل فعرتهم الدهشة وتولاهم الهلع والذهول لأن رجلاً آخر في العالم وقف على سر الدسيسة وهم على يقين أنه لم يعلم أحد سواهم به إلا الأمير.
وهذه الحقيقة وأمثالها التي كان يسخر منها العلماء منذ بضع سنين وينسبونها إلى الصدفة أو الأوهام قد أصبحت شغلاً شاغلاً لعلماء ما وراء المادة وسيكون لها شأن خطير في رفع ستار الإبهام عن حقيقة القوى العقلية التي لا نعلم من أمرها حتى الآن سوى النزر اليسير.
الطريقة التي جرى عليها البشر في نقل الأفكار من دماغ إلى دماغ أو من عقل إلى عقل هي واحدة من اثنتين وهما اللفظ والكتابة ففي الأولى يكون عضو السمع هو الواسطة في نقل الفكر إلى الدماغ وفي الثانية يكون الواسطة عضو البصر إلا أنه قد تبين الآن بعد طول البحث والاختبار أن هنالك طريقة ثالثة ينتقل بها الفكر من دماغ إلى آخر في الفضاء على مسافة ألوف من الأميال دون وسيلة من الوسائل المادية وهذه الظاهرة الغريبة من ظواهر علم ما وراء المادة التي لم يتفق العلماء حتى الآن على وضع لفظ لها في اللغات الأجنبية يقع عليه الإجماع قد أطلقنا عليها في العربية لفظ تراسل الأفكار وهي الغرض من هذه المقالة.
والمراد بتراسل الأفكار انتقال فكر من دماغ إلى دماغ دون توسط إحدى آلات الحس المعروفة فقد يتفق أن ينقل شاب في القاهرة وهو في حال النزع شعوره في لحظة حدوث تلك الأعراض لوالدة له قد تكون في باريس مثلاً فتشعر بنزع ابنها في تلك اللحظة عينها وليس فقط بل قد يتاح له أن ينقل إليها في تلك اللحظة أيضاً وصيته وأمانيه الأخيرة بحيث تتجلى لوالدته واضحة كل الوضوح وليس هذا من باب التخرصات والأوهام ولكنه حقيقة