كان أجدادنا يقطعون المسافة بين دمشق وحلب في تسعة أيام على الدواب وها قد أصبحنا نقطعها في ست عشرة ساعة بالقطار وهو يمر مر السحاب ولو وجدت الشركة داعيا قويا لقطعت اليوم في ساعة فبفطر الراكب في الصباح في الفيحاء ويتعشى في حاضرة سورية البيضاء لأن المسافة تقل عن أربعمائة كيلو متر يتيسر قطع الخمسين كيلو مترا في ساعة واحدة من رياق إلى حلب والخط بينهما من النوع العريض وقطاراته منظمة أكثر من قطارات بيروت - دمشق - حوران أو يافا - القدس أو حيفا - دمشق - المدينة.
أتيت الشهباء أو عاصمة سورية البيضاء لأول مرة فرأيت فيها الصورة التي كانت تتخيلها المخيلة إلا قليلا وذلك لأن القدماء والمحدثين اشبعوا الكلام عليها أكثر من كل بلد سواها ولان الحكومات التي توالت عليهم أرفعت من شانها وأعلت من بين البلدان ذكرها. وناهيك ببلد كان ينزله ويمدحه ويحن إليه مثل البحتري والمتنبي والصنوبري وكشاجم والمعري والخفاجي وابن جبوس والوزير المغربي وأبي العباس الصفري وأبي فراس والحلوي وابن سعدان وابن حرب الحلبي وابن النحاس وابن أبي حصينة وابن الحداد وابن العجمي والملك الناصر وياقوت وغيرهم من رجال الأدب والعلم. وما قاله الشعراء في مدحها يكاد يقترب مما قالوه في أختها الفيحاء فقد قال كشاجم:
أرتك ندى الغيث آثارها ... وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها
هي الخلد تجمع ما يشتهى ... فزرها فطوبى لمن زارها
وقال البحتري:
أقام كل ملث الودق رجاس ... على ديار الشام ادرس
فيها لعلوة مصطاف ومرتبع ... من بانقوسا وبابلي وبطياس
منازل أنكرتنا بعد معرفة ... واوحشت من هوانا بعد إيناس
يا علو لو شئت أبدلت الصدود لنا ... وصلا ولان لصب قلبك القاسي
هل لي سبيل إلى الظهران من حلب ... ونشوة بين ذاك الورد والأس