نشر علماء المشرقيات مئات من كتب العرب وقلما نشروا شيئاًَ إلا وفيه فوائد جمة يتمم نقصاً في العلم ويسد ثملة في الآداب والفنون. وممن غنوا بنشر كتب الجغرافية التي ألفها علماء العرب الأستاذ دي غوي الهولاندي نشر في ليدن ثماني مجلدات لعلماء منوعين في صور بلاد الإسلام وسماها الكتبة الجغرافية العربية كما نشر مستشرقو الإسبان بضعة عشر مجلداً في تاريخ الإندلس وسموها المكتبة الاندلسية ومن جملة تلك المجلدات الثمانية كتاب المسالك والممالك لأبي القاسم محمد بن حوقل البغدادي من أهل القرن الرابع وقد اعتمد فيه على كتاب أبي القاسم محمد بن خرداذبة وقدامة بن جعفر الكاتب وأبي عثمان بن بحر الجاحظ وأفاض فيه بذكر المفاوز والمهالك والأقاليم والبلدان وطبائع أهلها وخواص البلدان في نفسها وذكر جباياتها وارجاتها ومستغلاتها وذكر الأنهار الكبار واتصالها بشطوط البحار وما على سواحل البحار من المدن والأمصار ومسافة ما بين البلدان للسفارة والتجارة مع ما ينضاف إلى ذلك من الحكايات والأخبار والنوادر والآثار.
هذا أقل من يقال في كتاب المسالك والممالك وأهم ما فيه أن مؤلفه رحمه الله كان في الجغرافيين كما كان المسعودي في المؤرخين ممن رحلوا من بلدهم وضروبوا في طول الأرض وعرضها ولذلك تكلم فيما تكلم عنه من البلاد عنم ذوق ونر واختيار فخرج من بلده وطاف كثراً من أقطار العراق والجزيرة وأرمينية وخرسان والجبال وفارس وما وراء النهر والسند والشام ومصر وبرقة وإفريقية والمغرب الأقصى وصقلية والأندلس وغيرها من بلاد الإسلام ولم يتعرض للكلام على سائر الأقطار إلا بحسب ما بلغه من الثقات عنها ولذلك جاء كتابه من أصح ما كتب في عصره لأنه ميز ين الحق والباطل والحالي والعاطل.
وللمؤلف طريقة في التأليف والتحرز من الوقوع فيما يقع فيه أغلب مؤلفي القرون الوسطى ما لا يكاد يداينه فيه كثيرين وكانت رحلته في التجارة على نحو ما كان شأ، ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان من أ: بر المساعدات له على إحراز هذه المملكة وإليك نموذجاً من احترازه خوف السقوط عند صيارفة النقد من بعد أن قال في كلام على اليمن: