الحديث من الأخلاق الدنية وترك المجاهرة بالفواحش والمبالغة في تحسين دورهم ولباسهم وموائدهم والمنافسة فيما بينهم في ذلك والآداب الظاهرة فيهم والعلم الشائع في جميعهم وأما تجارتهم بالغالب عليهم محلة الجمع للمال والحرس فوق من سواهم من أهل الأمطار.
وقال في كلامه على البلاد الشامية ما نصه: وطرابلس وهي كثيرة الخير والغلات والفواكه الجيدة بينه الخصب والرخص وهي قريبة من مدينة بيروت التي على ساحل بحر الروم وهي فرضتها وساحلها وبها يرابط أهل دمشق وسائر جندها وإليها ينفرون عند استنفارهم وليسوا كأهل دمشق في جفاء الأخلاق وغلطة الطباع وفيهم من إذا دعي إلى الخير أجاب وإذا أيقظه الداعي أناب، ولنفس دمشق خاصية بطابعها الجاري وضيائه وقل وصلقية وقال لا تصلح لسلاطينها ولا يستقيم سلاطينها بها وأكثر هذه المدن ولكن كيف كان الحال لم يخل كتابه من ذكر طبائع أهل البلاد أوردناه للدلالة على ذلك.
وقد أجاد المؤلف من وراء الغاية في وصف المسافات بين البلاد بحيث جاء كتابه في عصره بل وإلى اليوم أشبه بدليل سائح لما عرف من بلاد الشام وإن أورث ذلك بعض الفصول طولاً أحياناً ولكن المؤلفات لا تكون كلها سلسلة واحدة في الجودة والفائدة والتسلية. كما أجاد في وصف معادن وهوائه وذكر نبذة من تاريخ عمرانه بحيث جاز كتابه لا في الجغرافيا فقط بل في المنيرولجيا (علم الأحداث الجدية) والكرونولوجيا (التاريخ والسير) والمنيرولوجيا (علم المعادن) والإينتوغارفيا (علم خصائص الشعوب) والأركيولوجيا (علم الآثار) والنوميسماتيك (علم النقود) وهكذا حوى من كل فن خبراً ولكن مع الثبيت والتنفيح على الأغلب ومما ذكره في تاريخ بني حمدان أمراء الجزيرة وهم الذين خلد مجدهم أبو الطيب المتنبي بشعره لما أغدقه عليه مقدمهم سبف الدولة المشهور من المكارم فقال فيهم ما لم نذكر أننا أطلعنا عليه في شيء من كتب التاريخ ما نصه: ولم تزل (نصيبين) على ما ذكرته من أول الإسلام تضمن بمائة ألف دينار إلى سنة ٣٦٠ فأكب عليها بنو حمدان أن بصنوف الجور وتجديد الكلف إلى أن حمل ذلك بني حبيب وهم بنو عم بني حمدان إلى أن خرجوا بذراريهم ومواشيهم وثقلهم في اثني عشر ألف فارس على فرس عتيق وسلاح شاك من درع وجوش مذهب ومغفر مدبج وسيف فارد ورمح خطي وآلة وعدة على بلد الروم مطلة فقمع بها شكوكهم وسيبوم بها ذراريهم ويخربون حصونهم