للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويحكى عن بعض الغيلان بها ما لا استجيز حكايته لأن المنكر لما لا يعلم أعذر من المقر بما يجهل وهكذا تجدده إذا شك في الأخبار يقدم بين يدي نجواها قوله ويزعمون أو يقال أو يروى ليكون المطالع على بصيرة مما يقرأه.

وكتاب المسالك والممالك على صغر حجمه (٤٠٦ ص من قطع الوسط) فيه عدا وصف البلدان ذكر خراجها وثروتها كما مر آنفاً فهو ليس كتاباً في جغرافية المماليك بل في جغرافيتها الاقتصادية والسياسية والطبيعية يدهش المطالع لتقريرها ويتراءى له أن المؤلف من أهل القرن التاسع عشر أو العشرين في أوروبا وأكثر ما ذكره من هذا القبيل مما حققه بنفسه من مصادر لأن رحلته وعمله وبعد نظره مكنته من الاجتماع بالطبقة العالية من الحكام في عصره فوقف على ارتفاع الملك وما تخرجه البلاد من الخيرات قال: وفي ذكر البلد ما يدل على ما كان عليه من العتاد ووصف ارتفاعه ما يعرب عن حاله ومكانه ويغني عن ذكر شرفه وشأنه وكذلك كل بلد ذكرته وأذكره فالعبرة بارتفاعه وجباياته هي التي تدل على قوته أهله إذ قوام الدنيا بالمال وهذه عبرة لجميع العقلاء ومرآة لسائر الفهماء وإن خرج بالخصوص عن بحر العموم في هذه القصية لم نحكم بهم وبم نلتفت إليهم.

وإذ كان المؤلف ممن يشتغلون بالمال وتنميته مع العلم والتأليف تراه يستدل أحياناً على ثروة قوم ينزل بينهم بالسفاتج والأوراق المالية التي لهم فمما ذكر من هذا القببيل أنه رأى في أيدي بعض التجار وسمى أسماءهم في صقلية والمغرب وغيرهما سفاتج كل سفتجة بأربعين ألف دينار وأكثر لصاحبها دين على آخر فإذا كان تاجر واحد له على آخر مثل القدر فكم تكون ثروته. وإليك هذه القصة التي رواها أهل سيراف ومنها تعلم عظم نفسه وصورة من سور أخلاقه قال: ولقد رأيت بالبصرى منهم (أهل سيراف) أبا بكر أحمد بن عمر السيرافي في سنة ٣٠٥ وقد قدمت عليه بكتاب ممن يعز عليه في مهم له فأخذ الكتاب من حيث لم ينظر إلى فقرأ ثم وضعه من يده ولم يعرني لحظاً وسأله في الكتاب مخاطبتي على معاينة واستعلام ما عرض فيه من مخاطبته وما بينهما مما يحب وقوفه عليه من جهتي كالمستشهد بعلمي بعد تعريفه في الكتاب صورتي ومحلي منه ثم أقبل على بعض خدمه وذكر مراكبه وحاله فوثبت غيظاً وأنا لا أبصر ما بين يدي من شدة ما نالني وداخلي بإعراضه فكأنه لحظ مكاني فقال: ما فعل الرجل فقيل: ومن هو فقال: صاحب فلان فقيل