للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحن اليوم في دور مثل صفحة البحر يريد أن لا يترك فروقاً بين أجزاء الناس ولا مميزات في منازعهم وأن لا يدع سمواً في الشعوب ولا انخفاضاً. فهو معمل عظيم الأدوات منوع الآلات يعمل ليل نهار ليبرهن للأدوار الغابرة أنه هو أول ما تغلب بالفعل على إشاعة السوآء والإخاء والتعارف وإطراح التباين والتباعد والانقسام.

فالبخار والكهرباء قد قضيا على استئثار القطر الواحد زرعه وضرعه وصنعه وأشركا أطراف الأرض كلها بالانتفاع مما يخرجه لبنيه كما خول بنيه التمتع بثمرات الطبيعة والناس في الأقطار الأخرى لسد حاجتهم.

والطباعة والصحافة كالبخار والكهربآء تنقلان ثمار العقول ونتائج التفكير من أرض إلى أرض وتشيعانه من شعب إلى شعب كما بتوصل زمننا إلى مآربه من القضاء على التخالف.

على هذه الطريقة تجري روح العصر في حضارتها ولكن كثيراً ما يكون أمام الباخرة فيما بين البحر والبحر برزخ وفي وجه القطار والقاطرة فيما بين البر والبرّ جبل ودون الطباعة والصحافة في نقل التفكير من دماغ إلى آخر عجمة فرأى القائمون بأمر هذا المعمل في القديم والحديث أن لا مندوحة لهم من حفر ترعة في البرزخ بين البحرين ونقب نفق في الجبل بين البرين وفتح منفذ الترجمة بين اللغتين.

وأن الإنسان ليذهل لكثرة ما يراه من تفكيرهم وموازناتهم وحسابهم ومقايساتهم عند اختيار البرزخ ليحفروه ترعة والجبل لينقبوه نفقاً والمصنف أو القطعة لينقلوها من لغة إلى لغة وعدَّ أصحاب الألباب الاختيار دليلاً على اللبيب وميزاناً له.

أمامي الآن كتاب (بلاغة الغرب) وهو مجموع ما اختاره محمد أفندي كامل حجاج المصري من منثور الإفرنسية ومنظومها ونقله على العربية مصدراً القطع بشيء من تاريخ حياة أصحابها وقد جاء فيه نموذج مما كتبه هيكو ولامارتين وألفرد دي موسي وأندري شينيه ودو فيني وكوبه وروستان ودوده وتيوفيل وغوتيه وكورنيل وراسين. وإني أشكر لمحمد أفندي كامل ولكل من يصرف وقتاً في نقل شيء من العلم والأدب إلى لغتنا وفتح منفذ بيننا وبين جاراتنا من الأمم ولكني أنتقد عليه تسميته الكتاب ببلاغة الغرب في حين أنه لم يرفع لنا فيه الستار إلا عن بعض أدباء الفرنسيس وأدبيات هؤلاء غير أدبيات الألمان والروس