للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وليس هو مثله فحكم المجمع النيقي بتبديعه ولكن مذهبه انتشر في بلاد الشرق عامة. ومنذ ذاك العهد ظل الكاثوليك والآريوسيون يتنازعون بينهم أيهم يستأثر بالسلطة في الكنيسة والحزب الأقوى يعزل وينفي ويحبس وأحياناً يذبح زعماء الحزب المخالف.

ومضى زمن والقوة للآريوسيين وتحزب لقولهم عدة من الأباطرة ثم أن الآريوسية كانت تقوى بكثرة دخول البرابرة في الإمبراطورية وتمذهبهم بهذا المذهب ومعاضدتهم لأساقفته. فقضى الكاثوليك زهاء مائتي سنة حتى قضوا على هذا المذهب المبتدع.

أواخر أيام الإمبراطورية

لما ذبح الجنود أخوة قسطنطين وأبناء أخته سنة ٣٢٨ أفلت منهم طفل في السادسة من عمره اسمه جولين فجعله الإمبراطور نسيبه في أقاصي آسيا الصغرى ورباه على يد قسيسين مسيحيين فبعث به هؤلاء إلى قبر الشهداء ينشد المزامير ويتلو الكتاب المقدس أمام الشعب ولما شب رخص له بالقدوم إلى الأستانة فانشأ يدرس كتب بلغاء الروم وفلاسفتهم وأولع بأحد الفلاسفة الأفلاطونيين فانصرفت نفسه عن النصرانيين. وأتم دروسه في أثينا وتعلم فيها أسرار معبد أوزيس بأنه من أشياع الدين القديم علناً وأخذ يحتفل بعبادة الأرباب فلقبه المسيحيون بالمرتد.

كان جولين أخر من بقي حياً من الأسرة الإمبراطورية وإذ لم يكن للإمبراطور قسطنطين وارث يرثه غير هذا أجمع أمره على أن يلقبه باسم قيصر وبعث به قائداً على جيش غاليا (٣٥٥) وكانت البرابرة قد هاجمت هذه البلاد وجاءت عصابة من الألمانيين على مقربة من مدينة أوتون. وإذ لم يكن لجولين خبرة بالحرب انصرفت همته إلى درس الفلسفة فصرف شتاءً بطوله في تعلم صناعة الكر والفر وأنشأ يريض نفسه ويتمرن ويتلو سيرة مشاهير الغزاة فلما تم له ذلك حمل على الألمان في جيش صغير من المشاة الرومانيين والفرسان البرابرة فكتب له الظفر في حملته الثانية في سهل بالقرب من مدينة ستراسبوغ وركب أكتاف الألمان ورجعوا يجتازون نهر الرين (٣٥٧) وقضى جولين في غاليا ثلاث سنين أخرى وجعل مشتاه في بلدة لوتيس حاضرة الشعب الباريزي وهي مبنية في جزيرة من جزر السين وكان يدعوها (لوتيس المحبوبة) وهو أول من وصفها.

وفي هذه المدينة أتاه أمر الإمبراطور أن يبعث إليه بقسم من جيشه إلى الشرق ليقاتل