[الباب الرابع من فن المقاصد فى ذكر أنواع علم البديع وبيان أقسامه]
اعلم أن ما أسلفنا ذكره فى الباب الأول إنما هو كلام فيما يتعلق بكيفية الوضع، إما فى الأصل فيكون حقيقة، أو فى غيره فيكون مجازا، والباب الثانى إنما هو كلام فى الدلائل من جهة الألفاظ الإفرادية، والباب الثالث إنما هو كلام فى الدلالات المركبة، وأما الباب الرابع فإنما هو كلام فيما يعرض لجوهر اللفظ من الألقاب بحسب تأليفه، لا من جهة دلالته على معناه، وإنما دلالته على معناه تابعة لذلك، وهذا هو الذى يلقب بعلم البديع فى ألسنة علماء البيان، وينقسم إلى ما يكون متعلقا بالفصاحة اللفظية، وإلى ما يكون متعلقا بالفصاحة المعنوية، فهذان نمطان نذكر ما يتعلق بكل واحد منهما بمعونة الله تعالى.
[النمط الأول ما يتعلق بذكر الفصاحة اللفظية وبيانها]
اعلم أنا قد ذكرنا أن الفصاحة من عوارض الألفاظ، وأن البلاغة من عوارض المعانى، ومنهم من قال إنهما مستويتان دالتان على مقصود واحد فلا يكون الكلام فصيحا إلا وهو بليغ، ولا يكون بليغا إلا وقد حاز الفصاحة، ومنهم من زعم أن الفصاحة أعم من البلاغة فالكلام يوصف بالفصاحة وإن لم يكن بليغا، ولا يعقل كون الكلام بليغا إلا مع كونه فصيحا، والأمر فى ذلك قريب، خلا أن أكثر أهل البلاغة قائلون بأنهما مقولان على جهة الترادف أعنى البلاغة والفصاحة، وإلى هذا ذهب الشيخ عبد القاهر الجرجانى، والأقلون على أن البلاغة من أوصاف المعانى والفصاحة من وصف الألفاظ، وهذا هو الأقرب كما قررناه فى أول الكتاب فلا وجه لتكريره، فإذا عرفت هذا فلنذكر ما يتعلق بالفصاحة اللفظية من علم البديع وهو مشتمل على أصناف عشرين، نذكرها بأمثلتها بمشيئة الله تعالى.