[القاعدة الثالثة من قواعد المجاز فى ذكر حقائق الكناية]
اعلم أن الكناية واد من أودية البلاغة، وركن من أركان المجاز، وتختص بدقة وغموض، ومن أجل ذلك حصل الزلل لكثير من الفرق، لسبب التأويلات، كما عرض للباطنية فيما أتوا به من قبح التأويل وشنيعه، ولطوائف من أهل البدع والضلالات، وما ذاك إلا من جهلهم بمجاريها، وما يجوز استعماله منها، وما لا يجوز، فلا جرم كانت مختصة بمزيد الاعتناء، لما يحصل فيها من الفوائد الكثيرة، والنكت الغزيرة، ولنذكر ماهية الكناية، ثم نردفه بالفرق بين الكناية، والتعريض، ثم نذكر أقسامها وأمثلتها، فهذه فصول أربعة نفصلها بمعونة الله تعالى.
[الفصل الأول فى تفسير لفظ الكناية وبيان معناها]
ولكثرة دورها فى الكلام استعملت فى اللغة، والعرف، والاصطلاح، فهذه مجار ثلاثة.
[المجرى الأول فى لسان أهل اللغة]
الكناية مصدر كنّى يكنى، وكنيته تكنية حسنة، ولامها واو وياء، يقال. كناه يكنيه، ويكنوه، والكنية بالأب، أو بالأم، وفلان يكنى بأبى عبد الله، وفلانة تكنى بأم فلان، ولا يقال: يكنى بعبد الله، ولا زينب تكنى بهند، وإنما هو مقصود على الأب، والأم، وفلان كنىّ فلان، أى مكنى بكنيته، كما يقال سميه، أى مسمى باسمه، وكنى الرؤيا، هى الأمثال التى تكون عند الرؤيا يكنى بها عن أعيان الأمور، وفى الحديث «إن للرؤيا كنى، ولها أسماء فكنوها بكناها، واعتبروا بأسمائها» .