الإيغال فى أصل اللغة هو سرعة السير، ويستعمل فى المبالغة فى الشىء، يقال فلان يوغل فى نظره وفى قراءته أى يبالغ فيهما وهو فى مصطلح علماء البيان عبارة عن الإتيان فى مقطع البيت وعجزه أو فى الفقرة الواحدة بنعت لما قبله مفيد للتأكيد والزيادة فيه ومثاله قول الخنساء:
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم فى رأسه نار «١»
فقولها فى «رأسه نار» ، من الإيغال الحسن لأنها لم تكتف بكونه جبلا عاليا مشهورا، بل زادت لكثرة إيغالها فى مدحه وشهرته بقولها «فى رأسه نار» لما فيه من زيادة الظهور والانكشاف، لأن الجبل ظاهر فكيف به إذا كان فى رأسه نار، والنار ظاهرة فكيف حالها إذا كانت فى رأس جبل، ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس يصف نفسه بكثرة الصيد:
كأنّ عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذى لم يثقّب «٢»
فقد حصل الغرض بقوله «عيون الوحش حول خبائنا وأرحلنا الجزع» ، ولكنه منقوص لكونه مطلقا فلم يفد هناك مبالغة وإيغالا فى التشبيه، فلما أردفه بقوله «لم يثقب» تأكد التشبيه وظهر رونقه. ومن ذلك ما قاله بعض الشعراء:
فقوله سنا لهب، ليس فيه قوة للتشبيه لما كان مطلقا، فلما قيده بقوله لم يتصل بدخان، كان موغلا فى التشبيه لإكماله بما ذكره من التقييد فحصل الإيغال بقوله لم يتصل بدخان وتمت به المبالغة وجاء على صفة الإعجاب وحاز الطرافة مع حسن التأليف.