وقد أنكر هذه المعجزة جماعة من المبتدعة، كجمهور الفلاسفة، متمسكين بأن الأجرام العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام، وكذا قالوا فى فتح أبواب السماء ليلة الإسراء، إلى غير ذلك. وجواب هؤلاء: إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام، فإذا تمت اشتركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلّم المسلم بعض ذلك دون بعض لزم التناقض. وأيضا لا سبيل إلى إنكار ما ثبت فى القرآن من الانخراق والالتئام فى القيامة، وإذا ثبت هذا استلزم الجواز، ووقوعه معجزة للنبى- صلى الله عليه وسلم-. وقد أجاب القدماء عن ذلك، فقال أبو إسحاق الزجاج فى «معانى القرآن» : أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفى الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه، لأن القمر مخلوق لله يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم القيامة ويفنيه. انتهى.
وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا النقل جاء متواترا واشترك أهل الأرض كلهم فى معرفته، ولم يختص بها أهل مكة، لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، فالناس فيه شركاء، والدواعى متوفرة على رواية كل غريب، ونقل ما لم يعهد، ولو كان لذلك أصل لخلد فى كتب التسيير والتنجيم، إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره.
فأجاب عنه الخطابى وغيره: بأن هذه القصة خرجت عن الأمور التى ذكروها، لأنه شىء طلبه خاص من الناس، فوقع ليلا، لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون الناس فيه نياما ومستكنين فى الأبنية، والبارز منهم فى الصحراء إذا كان يقظانا يحتمل أن يتفق أنه كان فى ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره، ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراكز القمر ناظرين إليه ولا يغافلوا عنه، فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس، وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه، ولعل ذلك إنما كان فى قدر اللحظة التى هى مدرك البصر، وقد يكون القمر حينئذ فى بعض المنازل التى تظهر لبعض الآفاق دون بعض، كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عند قوم، وكما يجد الكسوف أهل بلد دون بلد آخر.