للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التزويج مرجوح، إذ لو كان راجحا ما آثر النبى- صلى الله عليه وسلم- غيره، وكان- مع كونه أخشى الناس لله وأعلمهم به- يكثر التزويج لمصلحة تبليغ الأحكام التى لا يطلع عليها الرجال، ولإظهار المعجزة البالغة فى خرق العادة لكونه كان لا يجد ما يستمتع به من القوت غالبا، وإن وجد فكان يؤثر بأكثره، ويصوم كثيرا ويواصل، ومع ذلك فكان يطوف على نسائه فى الليلة الواحدة، ولا يطاق ذلك إلا مع قوة البدن، وقوة البدن تابعة لما يقوم به من استعمال المقويات من مأكول ومشروب، وهى عنده- صلى الله عليه وسلم- نادرة أو معدومة.

وقال بعض العلماء: لما كان الحر لفضله على العبد يستبيح من النساء أكثر مما يستبيح العبد، وجب أن يكون النبى- صلى الله عليه وسلم- لفضله على جميع الأمة يستبيح من النساء أكثر مما تستبيحه الأمة. قالوا: ومن فوائد ذلك، زيادة التكليف بهن مع تحمل أعباء الرسالة، فيكون ذلك أعظم لمشاقه وأكثر لأجره، ومنها: أن النكاح فى حقه عبادة، ومنها: نقل محاسنه الباطنة، وقد تزوج- صلى الله عليه وسلم- أم حبيبة وكان أبوها فى ذلك الوقت عدوه، وصفية وقد قتل أباها وعمها وزوجها، فلو لم يطلعن من باطن أحواله على أنه أكمل خلق الله لكانت الطباع البشرية تقتضى ميلهن إلى آبائهن وقرابتهن، فكان فى كثرة النساء عنده بيان لمعجزاته وكماله باطنا، كما عرف الرجال منه الظاهر.

وقد رغب- صلى الله عليه وسلم- فى النكاح. فروى أبو داود والنسائى من حديث معقل بن يسار مرفوعا: «تزوجوا الولود الودود فإنى مكاثر بكم الأمم» «١» وفى ابن ماجه عن أبى هريرة رفعه: «انكحوا فإنى مكاثر بكم الأمم» . وهو معنى ما اشتهر على الألسنة: «تناكحوا تناسلوا فإنى أباهى بكم الأمم» «٢» ، ولم أقف عليه بهذا اللفظ.


(١) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٠٥٠) فى النكاح، باب: من تزوج الولود، والنسائى (٦/ ٦٥) فى النكاح، باب: كراهية تزويج العقيم، والحاكم فى «المستدرك» (٢/ ١٧٦) ، من حديث معقل بن يسار- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (٢٩٤٠) .
(٢) انظر هذه الرواية فى «كشف الخفاء» للعجلونى (١٠٢١) .