وقال النووى: اختلف العلماء فى الثياب المعصفرة، وهى المصبوغة بعصفر فأباحها جميع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الإمام الشافعى وأبو حنيفة ومالك، ولكنه قال: غيرها أفضل منها. وفى رواية عنه أنه أجاز لبسها فى البيوت وأفنية الدور وكرهه فى المحافل والأسواق وغيرها.
وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهى على هذا، لأنه ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم- لبس حلة حمراء، وفى الصحيحين من حديث ابن عمر أنه- صلى الله عليه وسلم- صبغ بالصفرة، وحمل بعضهم النهى على المحرم بالحج أو العمرة.
وقد أتقن البيهقى المسألة فى «معرفة السنن» فقال: نهى الشافعى الرجل عن المزعفر، وأباح له المعصفر، قال الشافعى: وإنما رخصت فى المعصفر لأنى لم أجد أحدا يحكى عنه- صلى الله عليه وسلم- النهى عنه، إلا ما قال على- رضى الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- نهانى ولا أقول نهاكم. قال البيهقى: وقد جاءت أحاديث تدل على أن النهى على العموم، ثم ذكر حديث مسلم «أن هذه من لباس الكفار» وأحاديث غيرها، ثم قال: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعى لقال بها إن شاء الله تعالى، ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعى أنه قال: إذا صح الحديث بخلاف قولى فاعملوا بالحديث ودعوا قولى. وفى رواية: مذهبى.
قال البيهقى: قال الشافعى: وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر وآمره إذا تزعفر أن يغسله، قال البيهقى: فتبع السنة فى المزعفر فمتابعتها فى المعصفر أولى به، انتهى.
ورأيت فى فتاوى شيخنا العلامة قاسم أحد أئمة الحنفية ومحققيها كراهته للتحريم مع صحة الصلاة فيه، واستدل له بما ذكرته، وبما فى حديث طاووس عند الحاكم وقال على شرطهما عن ابن عمرو بن العاص قال:
دخلت على النبى- صلى الله عليه وسلم- وعلى ثوب معصفر، قال:«من أين لك هذا؟» قال: صنعته لى أهلى فقال- صلى الله عليه وسلم-: «احرقه»«١» انتهى.
(١) قلت: هو عند أبى داود (٤٠٦٨) فى اللباس، باب: فى الحمرة، ولكن الحرق من فعل عبد الله بن عمرو لا من قوله- صلى الله عليه وسلم-، بل قال له لما علم بفعله: «أفلا كسوته بعض أهلك» .