للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذى عليه أكثر أهل الأصول: اشتراط اقتران المعجزة بالدعوى كما نبهت عليه فى أوائل الكتاب، ويأتى تحقيقه- إن شاء الله تعالى- فى المقصد الرابع. وهو المراد بقوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «١» وقد قيل المراد بالشرح فى الآية ما يرجع إلى المعرفة والطاعة. ثم ذكروا فى ذلك وجوها منها أنه لما بعث إلى الأحمر والأسود من جنى وإنسى أخرج تعالى عن قلبه جميع الهموم، وانفسح صدره حتى اتسع لجميع المهمات، فلا يقلق ولا يضجر بل هو حالتى البؤس والفرج منشرح الصدر مشتغل بأداء ما كلف. فإن قلت: لم قال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ولم يقل: قلبك. أجيب: بأن محل الوسوسة الصدر، كما قال تعالى: يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ «٢» فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعى الخير هى الشرح، لا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب.

وقد قال محمد بن على الترمذى: القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذى يقصد الشيطان، يجىء إلى الصدر الذى هو حصن القلب فإذا دخل مسلكا أغار فيه وأنزل جنده فيه وبث فيه الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حينئذ، ولا يجد للطاعة لذة، ولا للإسلام حلاوة، وإذا طرد العدو فى الابتداء حصل الأمن وزال الضيق وانشرح الصدر وتيسر له القيام بأداء العبودية.

وهاهنا دقيقة: «قال الله تعالى حكاية عن موسى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي «٣» وقال لنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ «٤» أعطى بلا سؤال، ثم إنه تعالى نعته- عليه السّلام- فقال وَسِراجاً مُنِيراً «٥» فانظر إلى


(١) سورة الشرح: ١.
(٢) سورة الناس: ٥.
(٣) سورة طه: ٢٥.
(٤) سورة الشرح: ١.
(٥) سورة الأحزاب: ٤٦.