للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يودعه قلب من شاء من عباده، فأول قلب أودعه قلب محمد- صلى الله عليه وسلم- لأنه أول خلق وصورته- صلى الله عليه وسلم- آخر صورة ظهرت من صور الأنبياء، فهو أولهم وآخرهم.

وقد جعل سبحانه وتعالى أخلاق القلوب للنفوس أعلاما على أسرار القلوب، فمن تحقق قلبه بسر الله اتسعت أخلاقه لجميع خلق الله، ولذلك جعل الله تعالى لمحمد- صلى الله عليه وسلم- جثمانية اختص بها من بين سائر العالمين، فتكون علامات اختصاص جثمانيته آيات دالة على أحوال نفسه الشريفة وعظيم خلقه، وتكون علامات عظيم أخلاقه آيات على سر قلبه المقدس. ولما كان قلبه- صلى الله عليه وسلم- أوسع قلب اطلع الله عليه- كما ورد فى الخبر- كان هو الأولى أن يكون هو قلب العبد الذى يقول فيه الله تعالى: ما وسعنى أرضى ولا سمائى ووسعنى قلب عبدى المؤمن «١» .

ولما كان كماله قبل الإسراء بمنزلة سائر النبيين كان صدره يضيق، فاتسع قلبه لما انشرح صدره، ووضع عنه وزره ورفع له ذكره. وقد صح أن جبريل- عليه الصلاة والسلام- شقه واستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه فأعاده فى مكانه.

قال أنس فلقد كنت أرى أثر المخيط فى صدره «٢» . رواه مسلم.

وإنما خلقت هذه العلقة فى ذاته الكريمة ثم استخرجت منه لأنها من جملة الأجزاء الإنسانية، فخلقها تكملة للخلق الإنسانى فلا بد منها، ونزعها أمر ربانى طرأ بعد ذلك، قاله السبكى.

وعند أحمد وصححه الحاكم: ثم استخرجا قلبى فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدهما لصاحبه ائتنى بماء وثلج فغسلا به جوفى ثم


(١) موضوع: ذكره الغزالى فى «الإحياء» وقال الحافظ العراقى. لم أر له أصلا.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٦١) فى الإيمان، باب: الإسراء برسول الله- صلى الله عليه وسلم-، من حديث أنس- رضى الله عنه-.