بإحدى يديه على الآخرى: احصدوهم حصدا، حتى توافونى بالصفا. قال أبو هريرة: فانطلقنا، فما نشاء أن نقتل أحدا منهم إلا قتلناه، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله: أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال صلى الله عليه وسلم-: «من أغلق بابه فهو آمن»«١» .
قال فى فتح البارى: وقد تمسك بهذه القصة من قال: إن مكة فتحت عنوة، وهو قول الأكثر.
وعن الشافعى، وهو رواية عن أحمد: أنها فتحت صلحا، لما وقع من هذا التأمين، ولإضافة الدور إلى أهلها، ولأنها لم تقسم، ولأن الغانمين لم يملكوا دورها. وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها.
وحجة الأولين: ما وقع التصريح به من الأمر بالقتال، ووقوعه من خالد بن الوليد، وبتصريحه- صلى الله عليه وسلم- بأنها أحلت له ساعة من نهار، ونهيه عن التأسى به فى ذلك.
وأجابوا عن ترك القسمة: بأنها لا تستلزم عدم العنوة، فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها، ويترك لهم دورهم.
وأما قول النووى: واحتج الشافعى بالأحاديث المشهورة بأن النبى صلى الله عليه وسلم- صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر، لأن الذى أشار إليه، إن كان مراده ما وقع من قوله- صلى الله عليه وسلم-: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن» كما تقدم وكذا من دخل المسجد- كما عند ابن إسحاق- فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذى ورد فى الأحاديث الصحيحة ظاهر فى أن قريشا لم يلتزموا بذلك لأنهم استعدوا للحرب. وإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل، ولا أظنه عنى إلا الاحتمال الأول وفيه ما ذكرته. انتهى.
(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٧٨٠) فى الجهاد والسير، باب: فتح مكة، والنسائى فى «الكبرى» (١١٢٩٨) ، وأحمد فى «مسنده» (٢/ ٥٣٨) من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.