للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ممن لقيه فى الطريق أبو سفيان بن الحارث، ابن عمه، وأخوه من رضاع حليمة السعدية، ومعه ولده جعفر بن أبى سفيان. وكان أبو سفيان يألف رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فلما بعث عاداه وهجاه. وكان لقاؤهما له- عليه السّلام- بالأبواء وأسلما قبل دخول مكة.

وقيل: بل لقيه هو وعبد الله بن أبى أمية، ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب بين السقيا والعرج، فأعرض- صلى الله عليه وسلم- عنهما لما كان يلقى منهما من شدة الأذى والهجو، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، وقال على لأبى سفيان- فيما حكاه أبو عمر وصاحب ذخائر العقبى-: ائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ «١» فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له صلى الله عليه وسلم-: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ «٢» «٣» .

ويقال: إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- منذ أسلم حياء منه.

قالوا: ثم سار- صلى الله عليه وسلم- فلما كان بقديد عقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل.

ثم نزل مر الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان ابن حرب وقالوا: إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا، فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء حتى أتوا مر الظهران، فلما رأوا العسكر أفزعهم.

وفى البخارى: (فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما


(١) سورة يوسف: ٩١.
(٢) سورة يوسف: ٩٢.
(٣) أخرجه الحاكم فى «مستدركه» (٣/ ٤٦- ٤٨) من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما- بسند جيد.