للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبى- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصور الأسباب وسنتها التى أجراها الله تعالى فى عباده، والله فاعل الجميع انتهى.

ولما التقى الجمعان، تناول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كفّا من الحصباء، فرمى به فى وجوههم وقال: «شاهت الوجوه» . فلم يبق مشرك إلا دخل فى عينيه ومنخريه منها شىء فانهزموا وقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فى قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «١» . قال: هذا يوم بدر، أخذ- صلى الله عليه وسلم- ثلاث حصيات، فرمى بحصاة فى ميمنة القوم وبحصاة فى ميسرة القوم، وبحصاة بين أظهرهم، وقال: «شاهدت الوجوه» فانهزموا «٢» .

وقد روى عن غير واحد: أن هذه الآية نزلت فى رميه- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، وإن كان فعل ذلك يوم حنين أيضا كما سيأتى- إن شاء الله تعالى-.

وقد اعتقد جماعة: أن المراد بالآية سلب فعل الرسول عنه، وإضافته إلى الرب تعالى: وجعلوا ذلك أصلا فى الجبر، وإبطال نسبة الأفعال إلى العباد، وتحقيق نسبتها إلى الرب وحده.

وهذا غلط منهم فى فهم القرآن، ولو صح ذلك لوجب طرده، فيقال:

ما صليت إذ صليت، ولا صمت إذ صمت، ولا فعلت كذا إذ فعلت ولكن الله فعل ذلك، فإن طردوا ذلك لزمهم فى أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم إذ لا فرق، وإن خصوه بالرسول وحده وأفعاله جميعها، أو برميه وحده ناقضوا. فهؤلاء لم يوفقوا لفهم ما أريد بالآية.


(١) سورة الأنفال: ١٧.
(٢) ذكره الحافظ ابن كثير فى «تفسيره» (٢/ ٢٩٦) وقال: وقد روى فى هذه القصة عن عروة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد من الأئمة أنها نزلت فى رمية النبى- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر، وإن كان قد دخل ذلك يوم حنين أيضا.