للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الآية: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)[النجم] فأجيب عنها بأجوبة، قال شارح الطحاوية ابن أبي العز (١): إن أصحها جوابان:

الأول: «أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد مماته» (٢).

وأظهر من هذا هو الجواب الثاني: وهو أن المنفي في الآية هو ملك الإنسان لسعي غيره، فالإنسان لا يملك إلا عمله، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)[النجم]، ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، فليس للإنسان إلا عمله، وليس له عمل غيره، ونفي استحقاق الإنسان لعمل غيره لا يستلزم نفي انتفاعه بعمل غيره إذا فعله عنه أو أهدى ثوابه له، كما يقال: ليس للإنسان إلا ماله، أما أموال الناس فليست له، ولا يلزم من نفي ملكه لمال غيره نفي الانتفاع به، فيمكن أن يهديه، أو أن يتصدق عليه، أو ينتفع به بوجه من الوجوه، فالانتفاع أعم من الملك، فلا يلزم من نفي الملك نفي الانتفاع، وهذا جواب سديد قريب بيِّن (٣)، كما دلت على ذلك هذه النصوص، الصدقة عن الميت، والصوم الواجب عن الميت، والحج عن الميت، والدعاء؛


(١) ص ٦٦٩.
(٢) نقل ابن القيم في «الروح» ص ٢٠٥ هذا الجواب عن ابن عقيل.
(٣) ذكر ابن القيم معنى هذا الجواب في «الروح» ص ٢٠٦، وقال: وكان شيخنا يختار هذه الطريقة ويرجحها، وانظر: مجموع الفتاوى ٢٤/ ٣١٢.

<<  <   >  >>