البيت الأول "وما نيل المطالب"، فهو كلام عامي دائر على الألسنة، ولا فضل فيه، بل هو أشبه بتقرير ضعيف عن معنى ليس بشيء.
وعندئذ عرض لي أنا أن هذا الفعل من شوقي هَزْلٌ للمعاني، وهزل في طِلابها، وهزل في إدراكها على وجهها. وإذا هذا القلم يسألني -أو يأبى إلا أن يذكرني- بأن الهزلَ الذي كان فيه شوقى خير من كل هذا الهزل الذي أصبحنا وأمسينا نعيش فيه. فالدنيا تجدُّ من حولنا ونحن نهزل، ولا نكاد نجد من كبار رجالنا أحدًا قد نهض به جَدُّه وجِدُّه في ناحية إلا وقد سقط به هزله في ناحية أخرى. وأن أشدَّ البلاءِ من مثل هذا الرجل أن يُلبس عليه حتى يظن أن هذا الهزل هو أجد الجد، لأنه ظن أنه ما بلغ إلا بجدٍّ كان فيه طبيعة مغروزة فظن حتى صار ظنه حقًا عنده.
ولسنا نحب أن نطعنَ على الرجال بالحق فضلا عن الباطل، ولكن بلادنا في كل مكان من مصر إلى الشام إلى لبنان إلى فلسطين إلى العراق إلى بلاد الهند إلى أندونيسيا إلى الجزائر وتونس ومراكش؛ قد أحست شعوبها أن ساعة الجِدِّ قد آذنت ودنتْ، وأنها ساعة إذا أفلتت فلن تعود إلا بلاء وعناء وشقاء. ومع ذلك فالرجال والزعماء وأصحاب الرأي أيضًا، وهو أشد البلاء، وقد ركَّبُوا في رؤوسهم أُذنًا من طِين وأُذنًا من عجين -كما يقول المثل العامي- فما يسمعون حسيس النار التي تشتعل في صدور أبناء هذا الشرق إلا كحشرجة الميت، فهم يعالجون أمورنا على صورة من اليأس والملل، كأنما يرجون الظفر بأي شيء كان، ماداموا يحسبون أنهم إذا رفعوا لأعين الناس هذا الذي ظفروا به، وقالوا لهم لقد ظفرنا لكم بخير ما ترجون، صدّقهم الناس وصفقوا لهم ومشوا في ركاب مجدهم، وجأروا إلى الله بالشكر على ما أنعم على أيديهم. فهم ليسوا طُلاب حق ضائع بل طُلَّاب مجدٍ كاذب، يطون أنهم يختمون به أعمالهم الصالحات.
فأي هزل كهزل رجال الهند مثلا، وهم الذين عركوا ساسة الإنجليز مئة وخمسين عامًا أو تزيد، ولقوا من خداعهم وكذبهم وتغريرهم وقسوتهم وشناعة أحقادهم ما لا ينسى مواجعه إلا غِرٌّ غافل؟ وإذا الذين كانوا بالأمس نار الثورة