تأليف الأستاذ محمد بن عبد الله عنان. طبعة ثانية بدار الكتب المصرية سنة ١٣٥٢ - سنة ١٩٣٤
ظهر هذا الكتاب من عدة سنوات فلقى من الانتشار وأُلقى عليهِ من المحبة ما لا تبلغه كثير من الكتب العربية التي تطبع في بلادنا. وسبب ذلك على الأرجح ما لهذا الغرض بعينه من الشوق في قلوب الناس من أهل الشرق. فطغيان الحياة الأوربية التي تنقل إلينا على ظهور البواخر كل يوم وعلى ظهور الآدميين وعقولهم وشهواتهم بما فيها من الفساد والضعف والانحلال، وبما فيها من العلم والقوة والنبوغ أيضًا، .. هو من أهم ما يحفز أكثر المثقفين المفكرين إلى درس المواقف التي كانت سبب التحاجز بين أمم الغرب والأمة العربية المسلمة، تلك المواقف التي جعلت للتاريخ الإسلامي صورة ينساها أبناء الإسلام، ويحقق النظر فيها علماء الأمم المسيحية ليأخذوا منها العبرة الباقية على مدى العصور واضحة جليلة مفصحة مبينة.
المواقف الحاسمة التي وقفت من سيل المسلمين بدينهم ومرَّنت الأمم المسيحية على خُلُق المسلمين وآدابهم وعاداتهم وشيء من دينهم، كانت ولا تزال مادة للتاريخ الحي الذي يجب على كل شرقي أن يوجد العناية بهِ في نفسه إن كان لا يجدها، وذلك لما فيها من مفاخر السلف العاملين، وفي هذه المفاخر أصول للقدوة والاتباع فيها إنقاذ الحياة الشرقية من الفوضى والجهل، واستخلاصها من براثن الاستعمار الذي لا يدع للقويّ قوة يفزع إليها، ولا للضعيف عدة يستنصر بها.
ولعلَّ أول مَن اعتنى مِن كتّاب العصر الحديث بهذا هو الأستاذ محمد عبد الله عنان فقد كتب كتابه هذا باذلًا أقصى الجهد في تحقيق ما هو بسبيله من التاريخ على قدر ما يكون في طاقته مخلصًا في ذلك كل الإخلاص. ولهذا