إذا كانت ظروف النشر قد حالت دون كتابة مقدمة دراسية لهذه المقالات النفيسة، فلأقتصر هنا على بيان جانب معين في شخصية الأستاذ شاكر، وعسى أن يكون في ذلك بيانٌ لما أسلفته في "قصة الكتاب" من كراهية الأستاذ شاكر لإعادة نشر شيء سبق له نشره.
حقق الأستاذ شاكر كُتبا معروفة، وكتب دراسات عن الأدب العربي مذكورة، ونظم أشعارًا فريدة، خاصة القوس العذراء، ولكن فعل ذلك كثيرون غيره، وإن لم يلحقوا به في هذا المضمار. غير أن أعماله قوبلت بالصمت المُنْكَر زمنًا طويلًا، وتوالت الدراساتُ والرسائل الجامعيةُ عن محقِّقِين وكُتَّاب وأدباء وشعراء دون الأستاذ شاكر علمًا وموهبة، وما كُتِبَ عنه حتَّى دخوله في العزلة التي ارتضاها لنفسه سنة ١٩٥٣ لا يعدو أن يكون نقدًا لبعض ما كتب أو تقريظًا لا يتجاوز أسطرًا معدودات، ولأضرب مثالًا واحدًا بشعره، فالشعر أكثر سيرورةً وقُرَّاء من تفسير الطبري أو طبقات فحول الشعراء. قلت في مقدمة مجموع شعر الأستاذ شاكر "اعْصِفِي يا رياح وقصائد أخرى" ص: ١٣٥ - ١٣٦ ما يلي "والعجب كل العجب أن يُهْمَل هذا الشعر حتَّى الآن. فإن قلتَ: ربما كان ذلك لأنه كان مُفَرَّقًا في مجلتي المقتطف والرسالة، فعَزَّ تيسُّرُه في أيدي الباحثين. قلتُ: كذلك كان شعر بعض شعراء مدرسة أبوللو الَّذي عكف عليه الدكتور محمد مندور -رحمه الله-، وهم لا يدانون الأستاذ شاكر في شاعرية أو فكر". وإذا كان التماسُ هذا الشعر لِتفرُّقِه في المجالات أمرًا عسيرًا حال دون دراسته، فكيف نفسر موقف النُّقَّاد من "القوس العذراء"، فهي قصيدة طويلة جدًا ظهرت أول مرة في مجلة الكتاب (المجلد ١١، عدد فبراير ١٩٥٢)، وقدم لها الأستاذ عادل الغضبان بكلمة تقريظ قصيرة بعنوان "توطئة" ص: ١٥٤. وفي عدد مارس ١٩٥٢ من نفس المجلة كتب الأستاذ جمال مرسى بدر كلامًا