ومن أجل ذلك ذهب الزمخشري إلى أن التعريف ههنا للجنس لا للعهد (وهذا كما ترى يخالف كل المخالفة ما أراده ابن قتيبة في كلامه). ثم ذكر الزمخشري نكتة البلاغة في التعريف فقال إن تعريف الجنس هو الصحيح لا تعريف العهد "ليكون تعريضًا باللعنة على متهمي مريم وعلى أعدائها من اليهود". وهي عندي تعليل ضعيف جدًّا من الشيخ - رضي الله عنه -، وكان خليقًا به أن يصرف عنه وجهه. ولولا أنه كان مولعًا بنكت البلاغة لما وقع في مثل ما وقع فيه. وإن شئت أن تزداد فقها ومعرفة بما قلت فاقرأ تفسير الشهاب الخفاجي والألوسي والقونوي وأبا (١) حيان وكتاب الأنموذج للرازي وتدبر ما فيها كل التدبر.
وأما قوله في الآية الأخرى من سورة طه:{وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} إن معنى التعريف ههنا التعريض بحلول العذاب على من كذب وتولى، فهذا جيد وحسن لقوله تعالى في الآية التي فيها:{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}. هذا أيضًا طلب لنكت البلاغة، وتبيان لأن التعريف ههنا للجنس. ولكن الزمخشري لم يقل لك، ولا غيره فيما أحسب يقول لك: إن تعريف الجنس ينبغي أبدًا أن يكون متضمنا معنى تعريض بشيء كالعذاب أو الويل أو الهلاك أو سوى ذلك كله.
ولو كان ذلك كذلك أيها الصديق لكان قصر تعريف الجنس على التعريض عجبًا من العجب المضحك، فانظر إلى قولك "سلام عليك" التي كان أصلها "سلامًا عليك" منصوبة بفعل محذوف، التي عدل بها من النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبات معنى السلام واستقراره، مع بقائها في معنى الدعاء، فأنت إذا عرفتها تعريف الجنس فقلت "السلام عليك" اقتضت التعريض، فعندئذ تقول لي كما قلت:"وبديهي أيها الأستاذ أنك لا تعني بقولك (السلام عليكم) في بدء كتابك الأول تعريضًا بأحد إذ لا حاجة إلى التعريض".
(١) كذا في الأصول، والصواب: أبي، إلا إذا كان أستاذنا -رحمه الله- أراد: واقرأ أبا حيان وكتابَ الأنموذج.