التصحيف والتحريف في هذه الكلمة. والدليل على أنه يقرأ ما يقرأ، وهو قادر على النظر في وجوه التصحيف والتحريف في الكلام أنه نقل نصا عن كتاب "الخصائص" لابن جنى (١: ٢١٥)، وذلك في (المعقول واللامعقول ص: ٢٣٦)، يقول فيه:"ألا ترى أن الشاعر قد يكون راعيا جلفا، أو عبدا عسيفا، تنبو صورته، وتمج جملته" فتوقف عند قوله "جملته"، وكتب معلقا عليها:[ربما كان الصواب: خلقته]، ومع الأسف، فإني أقول أن الذي في "الخصائص" هو الصواب المحض، وأن التغيير الذي اقترحه لتصويب عبارة ابن جنى لا محل له. ولو لم يكن الدكتور قادرًا على النظر في النصوص وتصويبها، وأنه شديد العناية بالألفاظ الدالة على المعاني، لما كتب هذا التصويب. فكيف حرص على تصويب ما لا خطر له في بحثه، وكيف فاته ما كان خليقا أن يحرص على تصحيحه؟ لا شيء، إلا أنه فرح بكلمة تؤيد رأيه السابق فصرفه الفرح عن التأمل وتصحيح ما هو خطأ محض.
هذه هي القضية في شأن نص الجاحظ -وبقيت القضية الأخرى في شأن نص ابن كثير، وهي قضية غريبة جدا؛ فإن الدكتور زكي نقل جملة من كلام الحافظ ابن كثير في سياق تدليله على أننا، نحن العرب، قوم على الفطرة، وأن الفطرة توجب علينا أن الكائنات كلها لا تصلح إلا بأمير يؤمر عليها، وحكم هذه الفطرة يوجب ألا يكون بيننا حوار، بل تريد أوامر ونواهي تهبط من الأعلى إلى الأسفل ليصدع بها، فإذا نزلت الأوامر من أهل الطوابق العليا إلى أهل الطوابق السفلى" .. فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم، والأوامر بالانقياد والنواهي بالتعظيم (البداية والنهاية لابن كثير ١: ٥) فجعل الدكتور هذه الجملة حجة لتأييد رأيه في أنه "خلق عربي أصيل -لا فرق بين أقدمين ومحدَثين، أن يتحكم بعضنا في رقاب بعض".
وحقيقة الأمر، هي أن هذه الجملة مقتطعة من مقدمة الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" حين ذكر منن الله على عباده، بأن "أرسل رسله إليهم"، وأنزل كتبه عليهم، مبينة حلاله وحرامه، وأخباره وأحكامه، وتفصيل