للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أضعاف أضعاف ما روى عن عمر، على الأقل. ومعنى ذلك أن علماء الأمة الذين تتبعوا شواهد اللغة، قبل مولد الشريف الرضى أو أخيه المرتضى، لم يقفوا على هذا القدر المفرط الموجود في "نهج البلاغة". ولو كان تحت أيديهم مثل هذا القدر، لما أغفلوه البتة. وهناك أدلة أخرى على بطلان نسبة ما في هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين.

وحسبى هنا أن أختم القول في "نهج البلاغة"، بذكر ما قاله الحافظ الذهبى (٦٧٣ - ٧٤٨ هـ)، حيث ذكر الشريف المرتضى فقال: "وهو المتهم بوضع كتاب "نهج البلاغة"، وله مشاركة قوية في العلوم، ومن طالع كتابه "نهج البلاغة"، جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين، ففيه السّب الصراح والحطّ على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وفيه من التناقض، ومن الأشياء الركيكة، والعبارات التي من كان له معرفة بنفس القرشيين من الصحابة، وبنفس غيرهم من المتأخرين، جزم بأن أكثره باطل". وهذا أهون ما يقال في هذا الكتاب.

فكتاب كهذا الكتاب، يدل صريح العقل والنظر، وصريح النقل والتثبت، على أنه كتاب قريب النسب، كان غير لائق بالدكتور زكي أن يتسرع إلى التقاطه، دون أن يفحصه، ويتحرى عنه، فيجعل ما فيه من كلام كثير الغثاثة، وقد كتب أكثره بعد دهور متطاولة، ممثلا لعلي بن أبي طالب وممثلا أيضا للقرن الأول من الهجرة، وهو القرن الذي يجمع أجلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم ألوف، وليس على إلا واحدا منهم، وإن فاقهم بما فضله الله به وكرمه، من العلم بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإغفال تحديد معنى "التراث" عند الدكتور، وترك التثبت من صحة الأقوال والأفعال المنسوبة إلى الرجال، ثم الإقدام مع ذلك على الأحكام القاطعة في المعاني والصور، موقف لا أرضاه لمفكر عريق متميز، كأخي الدكتور زكي، أراد أن يضع لنا منهجا، ويمهد لنا طريقا يفضى إلى الفصل والتمييز بين "المعقول واللامعقول في التراث العربي".

وموقف سادس: وذلك أنى كنت دائم التخوف على أخي الدكتور زكي، وأنا أقرأ كتابيه، من أن تكون له أفكار أعدها إعدادا قبل قراءة "التراث"، وقبل