للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الهجرة، ونسب ما فيه إلى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، الذي توفي سنة ٤٠ من الهجرة. ومعنى ذلك أن بين جمع هذه الأقوال وبين وفاة علي - رضي الله عنه - نحو أربعة قرون. وهذه الأقوال لم يروها الرضى أو أخوه المرتضى بإسناد متصل ينتهي إلى على فكيف نثق بهذه الرواية المرسلة بلا إسناد صحيح، مع هذه الدهور المتطاولة التي تفصل بين علي أمير المؤمنين، وبين جامع هذه الأقوال؟

وأنا أستطيع أن أؤكد لصديقي الكريم أن النظرة الأولى إلى جملة ما في الكتاب من الكلام، تقطع بأن كثرته الكاثرة لم تجر على لسان علي - رضي الله عنه - قط، وأنه، بعد الفحص الأول المدقق، لا يكاد يسلم منه لعلي - رضي الله عنه - إلا أقل من العشر. فإذا كانت النسخة التي طبعها الشيخ محمد عبده، تقع في نحو ٤٠٠ صفحة، فلا يكاد يصح منها إلا أقل من أربعين صفحة. وهذا القدر المنسوب إلى على، يكاد يكون كله في السنوات الأخيرة من حياته، منذ بويع بالخلافة لخمس ليال بقين من ذي الحجة سنة ٣٦ من الهجرة، إلى أن قتل - رضي الله عنه - لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ٤٠ من الهجرة، أي في أقل من أربع سنوات. وهذا أمر لا يكاد يصدق: أن يكون قيل كله في هذه الفترة القصيرة من الفتنة والاضطراب، وأن يكون الرواة قد استطاعوا أن يجيدوا روايته في هذه الفترة من الفتنة والاضطراب. هذا فضلا عما في الكتاب من أقوال لا يليق صدورها عن رجل مثل عليّ في دينه وعلمه وتقواه.

ودليل آخر، فإن هذا الكتاب "نهج البلاغة"، فيه من غريب ألفاظ اللغة قدر كبير جدا، وقد أفرد علماء الأمة كتبا تسمى "كتب الغريب"، عنيت بتفسير غريب ما في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغريب ما روى عن كبار الصحابة. فمن ذلك مثلا كتاب "الغريب" لأبي عبيد القاسم بن سلام (توفي سنة ٢٢٤ من الهجرة)، فإن شرح حديث أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -، يقع في نحو مئتى صفحة من المطبوع، ويقع شرح حديث أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - في خمسين صفحة من المطبوع، أي أن حديث على فيه ربع حديث عمر، فإن صحت نسبة ما في "نهج البلاغة" إلى على، لكان شرح غريبه من اللغة، يقع في