أو فيما انتهى إليه، في هذين الكتابين، فهو حر في أن يقول ما شاء، وأن يختار مما يسميه هو "ثقافة" أو "تراثا" ما شاء أيضا. ولقد شاء أن يجعل رحلته الأولى في "التراث"، في ميدان المعركة التي نشبت بين أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، وبين معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - (المعقول واللامعقول ص: ٢٩ وما بعدها).
وأنا لا أريد هنا أن أصحح له وقائع التاريخ كما رواها في كتابه، ولا أريد أيضا أن أحجر عليه القول فيما اختاره، أو فيما انتهى إليه، أو في الطريقة التي عالج بها هذا المشهد الذي رآه. ولكن الشيء الذي لا أستطيع أن أغفل الإشارة إليه، لأنه واجب كل مفكر، هو الالتزام التام بالتحري والفحص، قبل مشيئة القول ومشيئة الاختيار.
فهو قد اختار كتاب "نهج البلاغة"، ليتخذ ما فيه من الأقوال المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي ينبوعا يستخرج منه صورة للإمام على في القرن الأول من الهجرة، يقول:"ولننظر كم اجتمع في هذا الرجل من أدب وحكمة وفروسية وسياسة"(المعقول واللامعقول ص: ٣٠). فإذا كان ذلك كذلك، أفليس من وسائل "العقل" أن يتثبت المرء من أن هذا الكلام المنسوب إلى علي - رضي الله عنه - هو كلامه، بلا ريب في ذلك؟ هل يختلف في مثل هذا عاقلان؟ لا، بلا ريب، وإذا كان الدكتور زكي، كما وصف نفسه:"بعيدا عن التخصص الدقيق الكامل في تراثنا العربي"(المعقول واللامعقول ص: ١١٥)، ألم يكن أسلم له في طريقه أن يسأل، وأن يحاول أن يفكر على الأقل، حتى يتثبت من صحة نسبة ما في هذا الكتاب من الأقوال إلى علي - رضي الله عنه -؟ إنه إذا بطل أن يكون هذا الكلام صحيح النسبة إلى عليّ، كان استخراج صورة عليّ منه ضربا من العبث، لا أكثر ولا أقل.
وكتاب "نهج البلاغة"، هو مجموع أقوال وخطب، جمعها الشريف الرضى المولود سنة ٣٥٩ من الهجرة والمتوفى سنة ٤٠٦ من الهجرة، أو جمعها أخوه الشريف المرتضى المولود سنة ٣٥٥ من الهجرة والمتوفى سنة ٤٣٠ من