للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المحور الَّذي يدور عليه كل ما في الكتابين. وأنا أنقل إليك مواضع منهما، تغير فيها معنى "الثقافة" تغيرا مبنيا. من ذلك قوله في (تجديد الفكر ص: ٧١):

"فحياة الناس هي ثقافتهم، وثقافتهم هي حياتهم، لا حين ننسلخ عن الحياة، ليضطلع بها محترفون يطلقون على أنفسهم اسم: المثقفين". هذا معنى مبهم، ثم يقول بعد قليل في الكتاب نفسه (ص: ٨١).

"لم تكن اللغة في ثقافة العرب، "أداة" للثقافة؛ بل كانت هي الثقافة نفسها"، فهذا معني ثان أشد غموضا وإبهاما من الأول. ثم يقول في الكتاب الثاني (المعقول واللامعقول ص: ١٠٥)؛ عند ذكر مقتل أبي مسلم الخراساني، وما أعقب ذلك من أمر بعض الخوارج على الدولة كالراوندية، يقول:

"لا يعقل أن يكون مقتل رجل كأبى مسلم الخراساني، مبررا كافيا لمثل تلك الردة إلى ديانات الفرس فيما قبل الإسلام، وبمثل تلك السرعة وذلك الاتساع (وهذه كلها مبالغات مضنية مع الأسف! ) مما يدل دلالة قوية على أن الإسلام لم يكن عند القوم أكثر من غطاء خارجى، أبعد ما يكون عن ثبات الجذور؛ فكانت تكفيه أقل هبة من هواء ليطير، فتنكشف العقائد الراسخة من تحته (وهذا أوغل في المبالغات المضنية أيضًا)، وإذا قلنا "العقائد"؛ فقد قلنا "الثقافة" أيضًا"، وهذا معنى ثالث غارق في الابهام والغموض. وهي ثلاث صور مختلفات لمعنى "الثقافة"، وفي الكتابين صور أخرى أعجب وأغرب!

وأنا لا أدري لم هان على صديقي الدكتور زكي مذهبه الفلسفي الصارم، في مسألة "الثقافة" و"التراث" و"الحضارة"، على وجه الخصوص؟ ولا أدري ما معنى الحرية التي تركها لقارئه، حتَّى يقع في حيرة مضللة؛ وهو يتحسس المعاني التي يريدها بهذه الألفاظ؟ هذا موقف لا يرضى ولا يليق من رجل "حرفته هي الأستاذية في الفلسفة، والتي تقتضيه ألا يرسل القول إرسالا مهملا بغير تحديد" (المعقول واللامعقول ص: ٣٠).

وموقف خامس: وأنا كما ترى، لا أريد أن أناقش الدكتور زكي فيما قاله،