للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخبارهم عنها، فيتفننون في أسمائها وكناها وأسماء أجناسها، ولأن إقامتهم في البوادي وكونهم في البراري، قد

تقع أعينهم على طائر غريب ووحشي ظريف، يرون من دوابّ الأرض وهوامها وأجناسها ما لا اسم له عندهم، فيكنونه بأسماء يشتقونها من خلقته، أو من فعله، أو من بعض ما يشبهه أو غير ذلك؛ ويضيفونه إلى شيء على ذلك المنهاج، أو يلقبونه، كفعلهم بمن يلقب من الناس. فيجري ذلك مجرى الأسماء الأعلام والألقاب في الإخبار عنه، ويكون ذلك لجنسه لا لواحد بعينه، ولولا أن ذلك من غير ما قصدنا إليه لمثلت منه ما يكون كالعيان. وفى الفراش وغيره من الحيوان مما لم يسمعوه كثير، وفى هذه الخلق من العجائب ما لا يحاط به. ولقد حدثنا أبو محمد السكري عن خفيف السمرقندي حاجب المعتضد بالله، أنه كثر الفراش على الشمع المسرج بحضرة المعتضد في بعض الليالي، فأمر بجمعه وتمييزه، فجمع فكان مكّوكا (١)؛ وميّز فكان اثنتين وسبعين لونا.

وكذلك صارما يكنى بالآباء والأمهات معارف؛ لأنهم ذهبوا به مذهب كنى الرجال والنساء، وكذلك ما يضاف إلى شيء غير معروف باستحباب تلك الإضافة واستحقاقها، كنحو ابن عرس، وابن أوبر، وابن قترة (٢)، وابن آوى، وحمار قبّان؛ لأن المضاف إليه من ذلك لا يعرف باستحقاق إضافة ما أضيف إليه، فجرى مجرى ألقاب الناس المضافة، نحو ثابت قطنة، وقيس قفّة.

وأما ما نعرف باستحقاق إضافة ما أضيف إليه، فنحو ابن لبون، وابن مخاض، وبنت لبون، وبنت مخاض، وابن ماء، وذلك أن الناقة إذا ولدت ولدا ثم حمل عليها بعد ولادتها فليست تصير مخاضا إلّا بعد سنة أو نحو ذلك، والمخاض الحامل المقرب، فولدها الأول إن كان ذكرا هو ابن مخاض، وإن كانت أنثى فهي بنت مخاض، وإن ولدت وصار لها لبن صارت لبونا، فأضيف الولد إليها بإضافة معروفة الاستحقاق والاستحباب، وإن نكّرت مخاض ولبون، فما أضيف إليها نكرة نحو: ابن مخاض، وابن لبون، وإن عرّفتهما بإدخال الألف واللام، فما أضيف إليهما معرفة نحو: ابن اللبون، وابن المخاض. وكذلك


(١) المكوك: كأس يشرب به وهو مكيال يساوي نصف رطل أو صاعا ونصف أو عشرين مدّا بمد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(٢) حية خبيثة تميل إلى الصغر، وابن قترة إبليس لعنه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>