قال أبو سعيد: والذي قاله أبو الحسن تفسير، وقد دخل فيما قلناه.
أما قوله:" لأنك أردت من الرجال ". فمعنى ذلك أنك إذا قلت:" هو أشجع الناس رجلا " فهو بمنزلة قولك: " هو أشجع الناس من الرجال "، ثم تنزع " من " وتوحّد الرجال، وتنكّر الواحد على ما ذكرناه؛ ليدل على الجنس، فتقول:" هو أشجع الناس رجلا " كما أنك إذا قلت: " عندي عشرون درهما " فمعناه من الدراهم وجئت بنكرة من جنس الدراهم، وحذفت من لتدل على الجنس، وقد مر نحو هذا فيما تقدم.
[قول سيبويه في جريان هذا المجرى أسماء العدد]
قال سيبويه:" ومما أجري هذا المجرى أسماء العدد، تقول فيما كان لأدنى العدد بالإضافة إلى ما يبنى لجمع أدنى العدد إلى أدنى العقود ".
قال أبو سعيد: اعلم أن أدنى العدد الذي يضاف إلى أدنى الجموع، ما كان من ثلاثة إلى عشرة، نحو ثلاثة وأربعة وخمسة وعشرة.
وأدنى الجموع على أربعة أمثلة، وهو أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة، " فأفعل " نحو:
" ثلاثة أكلب وأربعة أفلس "، وأفعال نحو:" خمسة أجداع وسبعة أجمال "، وأفعلة نحو:
" ثلاثة أحمرة وتسعة أغربة، وفعلة نحو: " عشرة غلمة وخمس نسوة ".
وأدنى العدد يضاف إلى أدنى الجموع، وإنما أضيف من قبل أن أدنى العدد بعض الجمع، لأن الجمع أكثر منه فأضيف إليه، كما يضاف البعض إلى الكل، كقولك: " خاتم حديد " و " ثوب خزّ " لأن الحديد والخز جنسان، والثوب والخاتم بعضهما.
فإن قال قائل: وكيف صارت إضافة أدنى العدد إلى أدنى الجمع أولى من إضافته إلى الجمع الكثير؟
قيل له: من قبل أن العدد عددان: عدد قليل وعدد كثير، فالقليل ما ذكرناه من الثلاثة إلى العشرة، والكثير ما جاوز ذلك، والجمع جمعان: جمع قليل، وهو ما ذكرنا من هذه الأبنية الأربعة التي قدمنا، وجمع كثير، وهو سائر أبنية الجمع، فاختاروا لإضافة أدنى العدد إليه أدنى الجمع؛ للمشاكلة والمطابقة، وقد يضاف إلى الجمع الكثير، كقولهم: " ثلاثة كلاب "، و " ثلاثة قروء " لأن الجمع الكثير والقليل قد يضاف إلى جنسه؛ فعلى هذا إضافتهم العدد القليل إلى الجمع الكثير، ولهذا قال الخليل: إنهم إذا قالوا: " ثلاثة كلاب " فكأنهم قالوا: ثلاثة من الكلاب، فحذفوا وأضافوا استخفافا.
وينزعون الهاء من الثلاثة إلى العشرة في المؤنث، ويثبتونها في المذكر، كقولهم: