هذا باب ما عمل عمل الفعل فلم يجر مجراه ولم يتمكّن تمكنه
قال سيبويه: (وذلك قولك: " ما أحسن عبد الله ". زعم الخليل أنه بمنزلة قولك:" شيء أحسن عبد الله "، ودخله معنى التعجب وهذا تمثيل فلم يتكلم به).
قال أبو سعيد: أعلم أن التعجب من الشيء أن يكون زائدا في معنى ما تعجب منه على غيره نادرا في بابه؛ لأن فيه تفضيلا. ولا يجوز أن يقال " لزيد "، إذا كان في أول مراتب الحسن " ما أحسن زيدا "؛ لأنه لا تفضيل فيه. فإذا قالوا:" ما أحسن زيدا "، " فما " عند سيبويه اسم مبتدأ غير موصولة، و " أحسن " خبر " ما "، وفي " أحسن " ضمير من " ما " وهو فاعل " أحسن "؛ لأن " أحسن " فعل، و " زيدا " مفعول " أحسن "، وهو بمنزلة قولك في الإعراب:" زيد أكرم عبد الله ".
وقد مثّل الخليل " ما " بشيء، كأنك قلت:" شيء أحسن " عبد الله، ومعنى: أحسن أي حسنه، وأصاره إلى هذا الحسن. ولو قلت:" شيء أحسن عبد الله " لم يكن فيه تعجب؛ لأن " شيء " اسم غير مبهم، و " ما " مبهمة، وإنما وضعت للتعجب من قبل إبهامها؛ لأن المتعجب منظم للأمر، وكأنه إذا قال:" ما أحسن عبد الله "، فقد جعل الأشياء التي يقع بها الحسن متكاملة في عبد الله، فلا يصلح ذلك إلا بلفظ مبهم. ولو قال:
" شيء أحسن عبد الله "، كان قد قصر حسنه على جهة دون سائر جهان الحسن.
وقد أنكر بعض الناس على الخليل قوله أن:" ما أحسن عبد الله " بمنزلة " شيء أحسن عبد الله " فقال: يلزمه في هذا أن يكون قولنا: " ما أعظم الله " بمنزلة " شيء أعظم الله ".
وليس هذا الاعتراض بشيء؛ لأنه يتوجه الجواب عنه من ثلاثة أوجه:
منها: أن يقال: قولنا: " ما أعظم الله " بمنزلة شيء أعظم الله، وذلك الشيء يعني به من يعظمه من عباده؛ لأن عباده
يعظمونه.
والوجه الثاني: أن يعني بذلك الشيء، ما دل خلقه المعتبرين على أنه عظيم، من عجائب خلق السموات والأرض وما بينهما من الأفلاك والكواكب والجبال والبحار والحيوان والنبات.
والوجه الثالث: أن يقال: شيء أعظم الله تعالى، ويرجع بذلك الشيء إليه فيكون بنفسه عظيما، لا بشيء جعله عظيما، فرقا بينه وبين خلقه؛ لأن العظيم من خلقه قد