للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هذا باب ما تكون فيه الأسماء التي يجازى بها بمنزلة (الذي)]

وذلك قولك: إن من يأتيني آتيه، وكان من يأتيني آتيه، وليس من يأتيني آتيه.

وإنما أذهبت الجزاء من هاهنا لأنك أعلمت (كان) و (إنّ) لم يسغ لك أن تدع (كان) وأشباهه معلقة لا تعملها في شيء، فلما أعملهنّ ذهب الجزاء، ولم يكن من مواضعه؛ ألا ترى أنك لو جئت ب (أن) و (متى) كان محالا. فهذا دليل على أن الجزاء لا ينبغي له هاهنا ب (من) و (ما) و (أيّ)، فإن شغلت هذه الحروف بشيء جازيت.

فمن ذلك قولك: إنه من يأتنا نأته، وقال الله- تعالى ذكره-: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (١) وكنت من يأتني آته، وتقول: كان من يأته يعطه، وليس من يأته يحببه، إذا أضمرت الاسم في كان أو في ليس، لأنه حينئذ بمنزلة (لست) و (كنت)، فإن لم تضمر فالكلام على ما ذكرناه وقد جاء في الشعر: إن من يأتني آته قال الأعشى:

إنّ من لام في بني بنت حسّا ... ن ألمه وأعصه في الخطوب (٢)

وقال أميّة بن أبي الصلت:

ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه ... بعدّته ينزل به وهو أعزل (٣)

فزعم أنه إنما جاز حيث أضمر الهاء، وأراد (إنه)، و (لكنه) كما قال الرّاعي:

فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة ... وإن كان سرح قد مضى فتسرّعا (٤)

أراد: فلو أنه حقّ، ولو لم يرد الهاء كان الكلام محالا.

وتقول: قد علمت أنّ من يأتني آته، من قبل أنّ (أن) هاهنا فيها إضمار الهاء، ولا تجئ مخففة إلا على ذلك كما قال:

أكاشره وأعلم أن كلانا ... على ما شاء صاحبه حريص (٥)


(١) سورة طه، الآية: ٧٤.
(٢) البيت في ديوانه ٢١٩، ابن يعيش ٣/ ١١٥؛ الكتاب ٣/ ٧٢.
(٣) البيت في ديوانه، الكتاب ٣/ ٧٣.
(٤) البيت في ديوانه ١٦٧، الخزانة ١١/ ٤٥١.
(٥) البيت ورد منسوبا لعدي بن زيد؛ ولعمرو بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ١٨، ابن يعيش ١/ ٥٤؛ الكتاب ٣/ ٧٣، ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>